منصور الصويم

المسخ

يحكى أن استيقظ المواطن جابر سبيل على رنات صوت منبه الموبايل “نوكيا” المتصلة عند الساعة السادسة وخمس دقائق بالضبط، حاول أن يغطي وجهه بالوسادة مثلما يفعل كل يوم لكنه أحس بعجز رهيب، تجمد في مكانه وصوت المنبه يتصاعد في رأسه كأنه مسمار يدق ويدق في ذهنه، أخيرا قرر أن يمد يده نحو المنضدة ليسكت صوت المنبه ويدع قلبه لدقائق تنظم ضرباته قبل النزول من السرير؛ لكنه شعر بالعجز أيضا وبفقدان الإحساس بيده، بيديه الاثنتين، برأسه وقدميه وكامل جسده.. انتبه المواطن جابر كالمصعوق أنه بالفعل قد تحول إلى شيء آخر بخلاف ذلك الشخص الذي كان آخر عهده به ليلة أمس حين نام وهو منهك؛ تأكد وهو يقيس ذهنيا تصلبه الكامل أنه قد تحول إلى شيء معدني؛ صلب قوي يستلقي في مكانه بالفراش.
قال الراوي: استغرق المواطن جابر سبيل وقتا ليس بالقصير في محاولة للتأقلم مع هذا الجسد الخشن الذي حل بديلا لجسده الإنساني، إلى أن انتبه إلى أصوات أطفال المدارس وهم يهرولون في الشوارع، وإلى أصوات باعة الخضروات والخردوات ينادون على بضائعهم؛ وإلى إحساس غريب بأن ضوء الشمس بدأ بالتسرب إلى داخل الغرفة من شق في السقف؛ فتذكر مفزوعا أنه تأخر كثيرا عن مواعيد عمله بالمصلحة الحكومية وأن عقاب الخصم سينتظره؛ فحاول النهوض سريعا، بيد أن جسده المعدني الثقيل خذله وشده من جديد إلى الفراش.. فكر: (أنا حديد، لقد تحولت إلى حديد)!
قال الراوي: بعد محاولات مضنية تمكن جابر سبيل من الهبوط من على الفراش، في الحقيقة قذف كامل جسده الجديد إلى تراب الغرفة ليكتشف مع سقوط داوي الصوت أن له ما يشبه القدمين الناحلتين الطويلتين، فعمد بشكل ما على التساند عليهما وتحرك صوب مرآة تتوسط دولاب ملابسه؛ ليكتشف مرة أخرى أنه يمتلك ما يشبه العين الواحدة، يبصر بها وتقوده بدقة عالية نحو الدولاب.. توقف هنيهة قبل أن يرتقي بقدمي الحديد إلى أعلى ليكون موازيا للمرآة.. وهو يبصر شكله الجديد لم يتمالك المواطن جابر نفسه من أن يصرخ بصوت غريب مفزع ومرعب جعله يدور حول نفسه كالمجنون والرصاص ينطلق من مقدمة جسده ويخترق الحوائط والأثاث ويسافر في كل مكان!
ختم الراوي؛ قال: فجع جابر سبيل بمرأى جسده الجديد وقد تحول إلى آلة أشبه بسلاح حربي مزدوج مكون من مدفعي (الدوشكا والرباعي)؛ بمنظار حاد كأنه عين الهلاك وفوهة كأنها الجحيم وساندين أرضيين كأنهما خلقا لحمل الموت، ثم ازدادت فجيعته وهو يحس بالرصاصات القاتلة تواصل الخروج منه منطلقة بعشوائية بينما جسده يتقافز ويتحرك إلى أن قاده إلى الشارع ماضيا في كل اتجاه حاصدا للأرواح و…
استدرك الراوي؛ قال: شكرا فرانز كافكا.