منصور الصويم

السيد امتحان أكبر 3


قبل رحلات الإمارات المكوكية بسنوات، وقبل أن يجرب السيد “امتحان أكبر” سجون دول الأخرى، ذاق تجربة السجن داخل السودان.. تلك كانت المرة الأولى التي يكون فيها متهما في قضية كبرى ومعقدة قد تنتهي بالزج به إلى الحبس. وما حدث أن السيد “امتحان أكبر” بعد أن استلم حقوقه كاملة إثر إحالته للصالح العام قرر الدخول في عالم المال والأعمال. وقتها كان له أحد الأقارب طفر فجأة وانتقل من مساحات الفقر التي يتحرك في دهاليزها الجميع إلى مدارج الثراء الفاحش. التجأ السيد “امتحان” إلى هذا القريب الصديق بحكم الدراسة والسن، وطلب منه المشورة حتى يتمكن من استثمار مكافأة السنوات الطويلة. فدله إلى طريق المواشي.
قاد الرجل الثري صديق وقريبه إلى درب المواشي وعلمه كيفية المتاجرة بها وتركه ليحقق مجده الشخصي. بيع وشراء الأبقار والأغنام ومن ثم الجمال، عمل مضمون ومواقيته معلومة وأبواب دول التصدير مفتوحة، ما عليك إلا الحركة والسفر إلى مناطق الإنتاج، واختيار رجال تثق في أمانتهم ليتابعوا معك شراء الأنواع الجيدة، وليكون من بينهم رعاة صبورون. علمه المتاجرة وتركه في السوق، وهكذا لأول مرة منذ سنوات أحس السيد “امتحان أكبر” بطعم الحياة، مذاق المال، المغامرة، ركوب السيارات رباعية الدفع، السفر والترحال غربا وشرقا، مقابلة رجال أعمال من الوزن الثقيل، شرب اللبن الرائب في خلاء كردفان وتناول أطايب اللحوم في أسواق دارفور الجميلة.. كان يقول لنفسه “الآن أنا في الجنة أو في الطريق إليها حتما”.
لكن هل يفارق الحظ السيء السيد “امتحان” ويتركه لحاله دون اختبار وعناء، الإجابة: لا. وما حدث أن دول العالم فجأة قررت مقاطعة البلاد وحصارها اقتصاديا، وأول من طبق هذا القرار كانت تلك الدول الصديقة والشقيقة والقريبة، التي تستورد ماشية السيد “امتحان” ضمن مواشي البلاد الكبيرة. انغلق الباب الذي كان مفتوحا، هذه كانت ضربة الماشية الأولى، والتي عدها السيد “امتحان” خفيفة بعد أن جاءته الضربة الثانية القاصمة وكانت من أحد الرعاة الموثوق فيهم، حيث كان يتحرك وبحوزته (مراحات) من الأبقار والأغنام قبل أن يقرر فجأة وهو على بعد كيلومترات من أم درمان أن الوقت قد حان ليتقاعد ويترك هذا العمل الشاق، وبالفعل جر تلك (المراحات) معه إلى مكان مجهول واختفى واختفت معه ثروة السيد “امتحان أكبر” وتبخرت إلى الأبد.
دخل سجن أم درمان للتعثر المالي، وتحرير الشيكات الطايرة.. تسعة أشهر قضاها بين جدران السجن.