عندما وقف كُتّابنا (فراجة).. أمام سيرة السلطان “علي دينار”
الأخ الكريم/ الأستاذ الهندي عز الدين
تحية طيبة
اسمح لي أخي العزيز بين يدي محمل السلطان “علي دينار” أن أحل ضيفاً على بابكم الذي يحمل صوت الحق ويجسد قول الصدق والشجاعة، فالشهادة لله هي التي جعلت منكم رقماً ومكانة وقبولاً عند القراء.. ولك محبتي وتقديري.
عندما داهمتني فكرة ملتقى السلطان “علي دينار” لدعم سلام دارفور لم يدر في خلدي بأنني سوف أغوص في بحر مليء بالغموض والأسرار والمواقف والتحدي، حيث تمثل سيرة السلطان “علي دينار” لغزاً مليئاً بالإثارة والجدل.. منذ تفكيره في إعادة حكم أجداده بعد معركة “كرري” التي خاضها الخليفة “عبد الله” ولعدم تكافؤها في التسليح فقد خيم شبح الهزيمة، وهنا تجلى بعد نظره وقراءته للأحداث فاتخذ قرار التحرك وفي معيته مائتين من رجاله لإعادة السلطنة، فكان له ما أراد، ليمكث عشرين عاماً سلطاناً على دارفور، أرسى فيها نظام الحكم المؤسس لدولة لها علم وعملة ووزراء ومستشارون، ونظام عدل لا مثيل له- أي ما يسمى بـ(القاضي الأبكم)- وهي الشجرة التي تقف على تل عالٍ أمام قصره، يجلس فيها المظلوم ويراه السلطان من على البعد من شرفة قصره، فينادي عليه ويصدر الحكم العادل في الحال. أما قصره فهو أعجوبة، فيه حديقة حيوان وجنائن غناء، وسقفه من الصندل تم بناؤه بحداثة وذوق رفيع بواسطة خبرات أجنبية من الشام والمغرب العربي وتركيا.
وسط كل هذا كان يبعث بالمحمل الذي يجوب الفيافي من “الفاشر” إلى “مكة المكرمة” حاملاً المؤن لإطعام الحجيج وحاملاً كساء الكعبة لمدة عشرين عاماً مطلع القرن العشرين، هذا إضافة إلى إنشاء مصنع لكساء الكعبة بالفاشر عندما تخلت مصر عن ذلك. كان حامياً للحجيج من قطاع الطرق موفراً الأمان لهم، حافراً للآبار، ويبقى شاهداً عليها إلى الآن (آبار علي) بطريق المدينة، حيث إن السلطان عند قدومه للحج قام بإعمار مسجد “ذي الحليفة” الذي صلى به سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم”، هكذا تقول الحقائق الدامغة. تزوج السلطان من كل قبائل السودان، وكان له من الأبناء ما يزيد عن المائة، شهدت دارفور في عهده استقراراً وأماناً وتقدماً وحداثة، فقد كان حريصاً على العلم، لهذا كانت رحلات العلماء من تونس ومصر والشام إلى الفاشر لتدريس علوم الدين متواصلة.
كان السلطان قومياً، لذا كانت كل قبائل السودان تعيش بسلام في السلطنة، له أكثر من وزير من الشمال: (السناري للمراسم “جعلي”- بشير نصر “الدفاع”- القاضي إدريس “دنقلاوي”- رمضان بره “شايقي”- العربي دفع الله من “البطاحين”، “مسؤول الضرائب والزكاة”- السيماوي “المسلمية”، “مسؤول المحمل”). وكانت له علاقة وثيقة بالسلطنة العثمانية في تركيا، وكان صديقاً للسلطان “عبد الحميد”، وكان داعماً للحلف ضد الإنجليز ودفع ثمناً لذلك باستشهاده في معركة غير متكافئة استعمل فيها ولأول مرة في المنطقة الطائرات لقتله في 6/11/1916م وكان عمره (60) عاماً. كتب عنه المؤرخ العربي “محمد بن عمر التونسي” في كتاب (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان)، وكتب عنه المستشرق “ألن ثيوبولد” ترجمة “فؤاد عكود” في كتاب (السلطان علي دينار آخر سلاطين دارفور).
أما مثقفونا وكُتّابنا فقد (وقفوا فراجة) إلى هذا اليوم، أمام صاحب المارشات العسكرية وما تصاحبها من أهازيج.. أية إثارة وأية سيرة ومسيرة لهذا السلطان العظيم!!
السؤال الذي طرح نفسه: لماذا هذا الظلم لسيرته العطرة والتي تزين صدر أهل السودان وتطوق أعناقهم زهواً وفخراً؟ لماذا عمد الإنجليز لتشويه صورته واغتياله معنوياً وإلصاق الأكاذيب والافتراءات على سيرته وحتى بعد استشهاده شردوا أبناءه وتم توزيعهم على كل أرجاء السودان بعد أن تم وضعهم بداية في معسكر كأنهم (نازيون)؟! لماذا كل هذا ونحن في صمت مريب وتغييب كامل لمثقفينا وأدبائنا؟ أسئلة حائرة لعلها تجد إجابة في شهادتك لله أيها الأخ العزيز “الهندي عز الدين”.. والله من وراء القصد.
الحاج السيد أبو ورقة
{ من الكاتب:
أشكر للأخ “الحاج أبو ورقة”، رئيس اللجنة المنظمة لملتقى (محمل السلطان علي دينار) مبادرته وسعيه لإبراز سيرة هذا السلطان العزيز، وتاريخه الوضيء، فقد كان كاسياً للكعبة، مطعماً لحجاج بيت الله الحرام. وذلك هو تاريخ دارفور الذي يشرفنا جميعاً كشعب ويرفع هاماتنا عالية بين الأمم.