عيسى الحلو وبخيتة أمين وعلي بلدو.. ثلاثي للحياة
إعادتهم إلى محطات قديمة، في محاولة للتوثيق لهم ورصد وتقصي سيرتهم، نفعل ذلك وهم لا يزالون يمشون بيننا وينجزون أعمالًا مهمة، لعلنا نفعل شيئًا ضد الاتجاه السائد في التوثيق لمبدعينا وعلمائنا ومفكرينا بعيد مغادرتهم الفانية، فيما كان الأجدر أن يكرموا بالتوثيق لهم وهم بيننا، وها نحن نبتدر ذلك بالجلوس إلى الناقد والروائي والصحفي عيسى الحلو، والكاتبة الصحفية د. بخيتة أمين، واستشاري الأمراض النفسية والكاتب د. علي بلدو.
عيسى الحلو
ولد عيسى الحلو في كوستي (1945)م وتخرج في معهد التربية بخت الرضا ثم عمل معلماً لـ (15) عاماً، قبل أن يلتحق بالصحافة في جانبها الثقافي والأدبي، عديد الصحف والمجلات ساهم فيها الرجل، منذ (1976)م وحتى الآن، أبرزها (الأيام) و(الجمهورية)، وترأس تحرير مجلة (الخرطوم)، ويعمل الآن بصحيفة (الرأي العام).
ولأن العمل عبادة، فهو أول شيء يفعله الحلو، يقول: أتوجه في الصباح الباكر إلى مقر عملي بصحيفة الرأي العام، وأكون مهمومًا في بداية كل أسبوع في تحضير العدد الثقافي، بعد الفراغ منه أُحرر صفحة يومية “تعبر عن الحراك الثقافي والفكري والاجتماعي”، توصيلاً لرسالة إعلامية هادفة للقراء، وفي ذات الوقت يحتم عليّ الواجب الأسري حل مشاكل أبنائي الاقتصادية والاجتماعية، سيما بعد أن آلت إليّ مسؤوليتهم كاملة بعد وفاة والدتهم، وحتى أقوم بذلك بكفاءة أثقف نفسي عبر القراءة والاطلاع ومتابعة الحراك الثقافي محلياً وعالمياً، لذلك أقوم بذلك يومياً من منتصف الليل وحتى الفجر، بالإضافة إلى المشاركة في المنتديات الثقافية وأدلي برأي فيما يحدث، ولا أتوانى في أداء الواجبات الاجتماعية الضرورية”. وأضاف: “ولأن كل ذلك يحتاج لطاقة أحاول المحافظة على الطاقة الإيجابية بداخلي”. ومضى في حديثه: “لأن هذا المشروع يحتاج إلى عجلات يمشي عليها أحاول الحفاظ على مصدر دخلي وتوسعته ما أمكن، أيضاً أتأمل ما أنتجه وأنتقده لمزيد من التجويد، كما إنني أحافظ على صحتي بالأكل الجيد وآخذ قسطاً من الراحة، حتى لا أتعطل عن أداء واجباتي، ولا أنسى صحتي النفسية، إذ أوليها عناية فائقة حتى تتمكن آلتي المنتجة من العطاء بشكل أفضل، ولا يفوتني التأمل، أعرض حياتي كلها لنظرة فاحصة وعلاج ما يمكن علاجه، حتى أكون بحال أفضل اجتماعياً وأخلاقياً وفكرياً، وأخيراً أحاول صناعة حياة مفيدة لي ولمن حولي”.
** بخيتة أمين
د. بخيتة أمين محاضر وعميد كلية أم درمان لتكنولوجيا الصحافة والطباعة وكاتبة عمود (جرة قلم) لربع قرن. تمتلك رصيدًا من القراء والأصدقاء داخل السودان وخارجه، وتعتز كثيراً لدى مراجعتها منتصف الليل تعليقات من يتابعون ما تكتب. أشرفت بخيتة على العدد صفر لمجلة سيدتي، وهي أحد أعضاء مجلس تحريرها حتى اليوم. ولدت ونشأت في حي ود البنا الأمدرماني الشهير، وفي شارع أبوروف هناك لافتة مكتوب عليها (شارع بيتنا) كتبتها بخيتة بيديها لتصبح معلماً مهمًا ومرشدًا إلى بيتها المتواضع المبني من الطوب الأحمر قبل مئات السنين.
تقول د. بحيتة: “نشأت في أسرة فقيرة كان أبي ناظر محطة في هيئة السكة حديد، أنا أصغر أولاده، تعلمت في أم درمان حتى وصلت الجامعة ودرست في جامعة القاهرة تخرجت منها ثم تزوجت وذهبت إلى بريطانيا، هناك درست الصحافة داخل مؤسسة تومسون فاونديشن البريطانية بمدينة ويلف بكاردِف، وحصلت على عدد من الدبلومات، ثم انتقلت من مدينة ريدنج إلى كاردف لدراسة كورس في التحرير الصحفي حينها التحقت بالإذاعة البريطانية وإذاعة الـ (بي بي سي) وكنت أكتب أسبوعياً مقالاً بعنوان (حياة امرأة في بلاد الإنجليز) وأبعثه إلى صحيفة الصحافة التي أوفدتني إلى بريطانيا، فكانت رسالة لندن من أشهر الرسائل الصحفية التي يقرأها الناس عبر الحدود، وكنت أحكي فيها كيف يعيش العرب في بلاد الإنجليز، عملت في عديد الصحف النسائية في مدينة ريدنج، وبعد حيازتي على ماجستير علوم وفنون الصحافة من جامعة ريدنج البريطانية، عدت إلى السودان وأسست مجلة مريود للأطفال التي دخلت كل البيوت واستفاد منها أبناء المغتربين، حيث كانوا يجهلون أبجديات الحياة في السودان ويكتفون بالبقاء في دول المهجر رهائن لثقافتها، إلا أن السياسة وأدت مجلة المريود عقب عام ونصف من صدورها حيث أوقفها البرلمان، فالتحقت بجامعة الخرطوم مركز الدراسات الأفريقية والآسيوية لنيل درجة الدكتوراه وكانت رسالتي بعنوان (صورة أفريقيا في الصحافة العربية)، بعدها أسست أول كلية لتكنولوجيا الصحافة والنشر في السودان”.
وهن أهم عشرة أشياء.. قالت د. بخيتة: “منذ زمن طويل بخلاف أيام معدودات أصلي الفجر، بانتظام ربما لا يكون مع الأذان لكنه بالتأكيد في وقت قانعة أن الله سيستجب فيه لدعائي.
أعلم أن هناك من يطوف الحي الشعبي الذي أسكنه يبحث عن كوب حليب، لذلك ما إن أسمع نقرات معلومات على باب بيتنا الخشبي حتى أكون أعددت كيساً صغيراً يحتوي سكر وحليب. وتابعت: ومن الأشياء التي أصر عليها بصورة منتظمة التصدق على المساكين والمحتاجين وأعمل ذاك الشيء من أجل الراحلة أمي (حرم) التي أدين لها بالكثير، وليتني أنجح في رد بعضه. لعض المحادثات الهاتفية أجريها مع شروق الشمس أتفقد فيها صديقاتي وأصدقائي الأوفياء، أو نتفقد فيها بعضنا البعض، وظللنا على هذا المنوال قرابة الثلاثين عامًا، ومن الأشياء التي أحرص على ممارستها يومياً كتابة عمودي (جرة قلم) لصحيفة (الرأي العام) بعد أداء صلاة الفجر مباشرة، وهناك ديك في الحي يصعد أعلى الشجرة كأنما يناجي أغصانها، على صوته أكتب الجرة، وهذا تقليد أعتدت عليه على مر الزمان.
وفي مدخل بيتي الصغير بضع أشجار، أحرص منذ الليل على تثبيت خرطوم المياه على الحنفية لأتمكن من ريها صباحاً. وعند الصباح رجال ونساء حي ود البنا يتبادلون المشاوير، التقيهم، ونتبادل الأخبار نضحك ثم نعود لكباية الشاي، أعتدت على تناول كوب من الشاي (الصاموتي) بـ (لبن مقنن) منذ حياة والدتي مع قطعة خبز أو منين أصنعه بيدي، يوماتي عصراً لابد من أدهن وجهي بماسك الزبادي المخلوط بترمس مسحون، ولقناعتي بفائدتها لا أتعامل مع مستحضرات التجميل التي تفتح البشرة ولا أعتمد عليها، وأفضل أن أجلس وحدي أمام المرآة نصف ساعة يومياً وأنظر فيها لوجهي، بالإضافة إلى أنني أجلس في حفرة الدخان كل ما كان ذلك ممكناً، ومن الأشياء التي أواظب عليها، أعد يومياً المحاضرات التي ألقنها لطلابي في الصباح وأيضاً ملابسي التي سأقف بها أمامهم. وفي أم درمان هناك مجموعة نهضة وإعمار مدينة أم درمان تقوم بنظافة الطرقات وتشذيب أشجارها ويروون الزهور، حتى عادت أم درمان التي نعشقها، أتوصل معهم يومياً عبر موقعهم الأسفيري، أنا مفتونة بحنجرة صديقي عثمان حسين وأستمع إليه حياً وميتاً وأحتفظ بكميات مهولة من تسجيلاته وأردد معه يوماً كيف لا أعشق جمالك وأنت يا نيل يا سليل الفراديس، وإن لم يكن يومياً أذهب مرتين في الأسبوع على الأقل إلى شاطئ أم درمان راجلة استنشق عبير النيل عند منحى نهر النيل، حيث أصلي المغرب وأناجي الخالق هناك، أضع على المنضدة دائماً طبقًا مليئًا ببلح البتمودا التي تتفرد به قرية جدتي بدنقلا حيث ينمو، وأخيراً وعند الحادية عشرة مساءً أفتح الواتساب أقرأ، أضحك، وأرد، ثم أذهب للنوم، وأنا على قناعة أرددها دوماً “قد كان حسن ظن بعض مذاهبي فادبني هذا الزمان وأهلي، من كيد الأصدقاء تعلمت ومن وفاء الأوفياء انتصرت”.
** علي بلدو
الأستاذ الدكتور علي محمد علي محمد السنجك الشهير بـ (بلدو) من مواليد ود نوباوي في (26) يونيو من عام (1976)م، وحيد والديه، متزوج من الدكتورة أمل ناصر وأنجب أحمد وآزار وآرام، يتخذ الثورة الحارة العاشرة سكناً له، استشاري في الطب النفسي والعصبي، محاضر جامعي وكاتب صحفي وإعلامي.
يبدأ يوم د. علي ولسنوات خلت بالأوراد الثابتة للطريقة الشاذلية التي التزم ذكرها منذ سنوات طولية. وقال: “ثم أتناول كباية الشاي الصباحية مع والدتي ولم يتخلف عن ذلك إلا عند ظروف التسفار، وذلك لأنني ابنها الوحيد، ومن ثم أمارس تمارين رياضية لمدة نصف ساعة ومنها مباشرة ألج لعالم الانترنت والانغماس في الوسائط الاجتماعية، وبعده أذهب للعمل فهو التزام يومي أقوم به سواء أكان “أكاديمياً، سريرياً، في المستشفى، الجامعة أو العيادة”، أما وقت الظهيرة أخصصه باستمرار لأسرتي الصغيرة واستذكر مع أطفالي دروسهم قدر الإمكان وأحرص على ذلك، ومن ثم أطالع الصحف اليومية وأقرأ (15) سياسية واجتماعية ورياضية، وعصر كل يوم أتمشى على شاطئ النيل لأستمتع بمشاهدة الطبيعة في صورتها الجميلة، قبل الولوج لفترة المساء، التي اهتم فيها بحضور المنتديات الثقافية أو اللقاءات الفكرية وأي فعاليات مجتمعية أخرى. وأختتم يومي بالكتابة بمختلف ضروبها التي تكون بمثابة خلاصة ومحصلة لهذه الأشياء
اليوم التالي