ولا عزاء للبنضورة

* لا صوت هذه الأيام يعلو على صوت (بكاسي البنضورة) التي تنادي وسط الأحياء أن حيا على الطماطم.. يلا علينا جاي.. يا بلاش!!
* ولا تملك وأنت تستمع لهذه النداءات إلا أن تستعصم بعزاء.. وآ أسفي على البنضورة!! فبعد أن كسد سعرها في الأسواق بسبب كثرة العرض، هرع بايعوها إلى بطون الأحياء وأحشاء الحواري يستجدون الأهالي لإنقاذها وهم ينزلون بالأسعار إلى أدنى المستويات!!
* ولك هنا أن تتساءل.. لماذا ينزلون بالطماطم إلى الأحياء مرة.. ومرة أخرى ينزلون بالأسعار إلى هذه المستويات السحيقة!! والإجابة هي (ليس لهولاء الباعة من سبيل لتخزينها).. فهذا أو طوفانها وتلفها والذهاب بها إلى مكب النفايات!!
* وهذا ما يحدث في كل موسم، فلما يكثر العرض تنهار السلعة وتفقد ثمنها تدريجياً.. ومن ثم تخسر قيمتها ونذهب بها في نهاية المطاف إلى مكب النفايات!!
* ومن ثم لك في هذه الحالة أن تحصي قائمة الخاسرين من جراء هذا التلف، على أن أول ضحايا انهيار أسعار المنتوجات الزراعية هو المزارع الذي حرث وسقي وحصد وانتظر!! وليس هذا المنتظر!! وهو يخرج من المولد بلا حمص.. وسيخسر المزارع وفي المقابل سنخسر نحن المزارع نفسه، وذلك عندما يحجم عن الزراعة مرة أخرى!! ثم سنخسر عملاتنا الصعبة التي سنستنزفها على شحها في شراء الصلصة المستوردة!! ستخسر بلدنا واقتصادنا الوطني لا محالة كثيرا بطبيعة الحال!!
* ما يحدث للسيدة الطماطم يحدث للسيد البصل والمانجو والموز والبطيخ والليمون والبلح والبرتغال والبطاطس وقائمة طويلة طويلة.. والقصة حزينة حزينة!! كل هذه المنتوجات الزراعية الباهظة ستتعرض في عز الموسم إلى عمليات انهيار الأسعار والتلف.. وستنتهي لا محالة إلى مكب النفايات!!
* على أن الحل أيسر مما تتصورون، وهو إشعال ثورة (الصناعات التحويلية) المحتملة، وبهذا نكسب مرتين، عندما لم يتلف لنا منتوج زراعي، وعندما نبيع الجلود أحذية والصمغ العربي أدوية والمانجو طازجة والبطاطا و.. و..
* والمجهش للبكاء والرثاء والأسى، هو أن السودان قبل عقود بأكملها قد عرف الطريق على هذه الصناعات الغذائية، ويذكر مصنع تجفيف البصل والألبان بكسلا.. ومصنع تعليب التمور بكريمة.. وبدلا عن الذهاب إلى الأمام ها نحن نتقدم إلى الخلف بصورة مرعبة!!
* وها هي كريمة تعود عبر إعادة إنتاج وتشغيل مصنعها العتيق للتعليب.. فمتى يعود الآخرون.
* يا جماعة الخير.. إلى متى نظل تلك الأمة التي تبكي من فيضانات المياه شهرين من العام، وفي المقابل نبكي من الجفاف والتصحر العشرة شهور الباقية من العام!! نبكي الآن من الوفرة وانهيار الأسعار، وغدا لا محالة نبكي الندرة وارتفاع الأسعار!! فاليوم نبكي وفرة الطماطم.. وغدا نبكي عليها!!