يوسف عبد المنان

دماء على الرمل


مرة أخرى تقطر دموع الضعين دماً وينفطر القلب لهول ما حدث ويحدث من حصاد للأرواح منذ حقبة ستينيات القرن الماضي، وحتى اليوم يتبدى عجز حكومات السودان المتعاقبة عن إيقاف نزيف الدم.. وإنقاذ (الرزيقات) من صنع أيديهم، وإنقاذ (المعاليا) من شرور أنفسهم.. أكثر من خمسين عاماً والقتال يحصد أرواح الشباب.. حتى حرب فلسطين وإسرائيل خبت الآن وصمتت بنادقها.. وجف نهر دمائها إلا.. حرب (الرزيقات) و(المعاليا).. ما أن لاحت بارقة أمل وتسلل ضوء من النفق الطويل المظلم إلا وعادت آلة الحرب تحصد الأرواح.
في الأسبوعين الماضيين نشطت مبادرة قادها د.”عبد الحميد موسى كاشا” المفجوع بمرارة ما يحدث على الأرض.. وقد تنحى “كاشا” عن منصب الوالي لحظة شعوره بالعجز عن وقف تدحرج صخرة الموت من أعلى لأسفل سافلين.. وحينما أدرك أن أهله من (الرزيقات) و(المعاليا) سينخذلون ويحملون مسؤوليات الدم المسفوح تقدم باستقالته في زمن عز فيه المنصب.. ليعود والياً، لكن على بحر أبيض. ولم ينسَ “كاشا” قضية شرق دارفور حرض قيادات النظام الأهلي والرموز السياسية التي كانت قبل مجيء “كاشا” تتربص ببعضها البعض، وتنسج خيوط المؤامرات للولاة المتعاقبين ليطلق عليهم صفة (الكباتن) لكنهم أي القادة من بحر أبيض ينسجون مبادرة لتفسير مقررات مؤتمر (مروي) الذي أصبح (خازوقاً) جديداً في ملعب شرق دارفور.. اتصلت ساعات النهار بالليل قبل وصول الرئيس لشرق دارفور في محاولة لإصلاح ذات البين.. وجمع قطبي الولاية المنقسمة على أساس اثني وعرقي.. رغم أن الطرفين كشأن معظم السودانيين يدعيان لأنفسهما نقاءً عرقياً ووصلاً ممتداً لشجرة النبوءة وكلاهما أبناء عمومة “سعيد” و”سعيد” و”عبد الرحمن ابن عوف” و”أبو عبيدة عامر ابن الجراح”.
مبادرة النيل الأبيض كادت أن (تفك) عقدة مروي، لكن الأخبار السيئة تأتي من الضعين عن وقوع اشتباك بين مجموعة من المواطنين يتعقبون حرامية نهبوا مواشي وبين منسوبين لحركة تمرد سابقة أبرمت اتفاقاً مع الحكومة ولكنها تحتفظ بسلاحها الذي حصد أرواح الطرف الآخر الذي كان هو الآخر مسلحاً بأحدث أنواع السلاح.. ولأسباب غير معلومة وقع الهجوم على منزل الوالي “أنس عمر” بالضعين ليلة (الاثنين).. وتم إحراق المنزل وقتل اثنان من حراس الوالي الذي سعى وكدح من أجل إطفاء حريق (الرزيقات) (المعاليا).. وساهمت معه “أميرة الفاضل” ببناء قاعدة السلام من قاعدة المجتمع العريضة.. وعقدت السمنارات والدورات التدريبية.. بقيادة المجتمع الأهلي.. ولكن فجأة ينهار السقف وتلوح في الأفق بوادر عودة الدم لولاية شبعت في الموت وغرقت في الأحزان.. وتخلفت عن سائر ولايات البلاد تنموياً ولم تتعلم الضعين بعد أن السلام شرط وجوب لتحقيق التنمية وقيام الطرق وتشييد المطار.. ومن (المفارقات) (العجيبة) أن الوالي “أنس عمر” حينما تهجم بعض المتفلتين على منزله.. وهؤلاء لا يمثلون (الرزيقات).. مثلما لا يمثل الذين تقاتلوا أمس الأول (الرزيقات) و(المعاليا).. كان الوالي مشاركاً في ورشة بالفاشر حول السيطرة على السلاح، ولكن الأسلحة العشوائية التي بيد المواطنين وحلفاء الحكومة من الحركات المسلحة تغتال حراس الوالي (غيلة) وغدراً وهؤلاء الحراس لم يقتلوا أحداً ولم يشاركوا في سفك الدماء الذي روى تراب الأرض اليابسة.. وراح ضحيته أحد قادة المليشيات المسلحة التي وقعت اتفاقاً مع الحكومة وأصبحت منافحة عنها.
إن ما يحدث في شرق دارفور من فوضى في المدن وتمادي في العنف يحتاج لمعالجات جديدة.. ورؤية سياسية عميقة لتجاوز حالة عدم الثقة الحالية بين مكونات ولاية ولدت ولم يكتب لها الاستقرار حتى اليوم.. ولاية فشل أبناؤها في إدارتها.. فاختارت لها القيادة ضباطاً كباراً في الأمن والجيش ولكنهم أيضاً فشلوا في كبح جماح العنف.. فهل تستخدم الحكومة المركزية دواءً جديداً لعلاج أمراض الولاية المريضة؟؟


تعليق واحد

  1. طالما هو بهذاالجهل فدعوهم يموتون ويكفي بعضه شر بعض – ألم يقرأو حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
    ( القاتل والمقتول في النار ) واسفا انهم يرون ذلك بعيدا –