ضياء الدين بلال

(كمال حنفي) ضمن المشيعين!!


أفضل من كان يمكن أن يرثي الدكتور كمال حنفي هو كمال حنفي ذاته!
لن تجد في صحافة اليوم كاتب له براعة الفن ونبوغ العبقرية ونفس الشعر وشفرة السحر في تحويل المعتاد واليومي إلى منتج إبداعي مثير وملفت مثل دكتور كمال!
زرته قبل عامين في منزله وكان قد خرج من وعكة الذبحة الصدرية الثانية التي أسماها (الإنذار الأخير)، وكان يروي لنا كيف فاجأته وهو أمام شاشة الكومبيوتر يستعد لكتابة عموده اليومي، وإذ به يضع كلمة واحدة لا يستطيع أن يضيف عليها، وكمال يحكي ونحن نستمع باهتمام وتركيز، كأنه كان يتحدث عن شخص آخر، فهو ممتع في كل شيء حتى في حديثه عن ألمه!
كمال حنفي فيلسوف متأمل من طراز فريد، يتحدث كما يكتب، ويكتب كما يتنفس!
كل حديث معه كفاح أو عبر الهاتف مشروع عمود صحفي مطلق على الهواء، كل ما يحتاجه قلم للتدوين!
في الفترة الأخيرة مع مشاغل الحياة ومشوارها اليوماتي من (الجبل للسهل ومن السهل للصعب) كنا قلما نلتقي، وإذا التقينا صعب علينا الفراق!
“كمال” لا يسحب يده من يدك حتى تسحبها أنت، ولا يضع نقطة في آخر (الونسة) حتى تفعلها أنت، ولا يغادر وأنت راغب في مواصلة الحديث، ولا ينهي المكالمة على الهاتف إلا بعد أن تكون أنت قد ضغطت على الزر الأحمر، رغم ذلك تجده ممسكاً بتحكم سلس بالزمن والمواعيد!
لا تجده يتحرك خارج قاموسه الوضئ ولن يفاجئك في مكان لا تتوقع أن يأتيه، ولا يغيب عن مكان يفرض الواجب والذوق وجوده فيه!
لا أبالغ إذا قلت لكم قبل نزولي من العربة أمس في مقابر البكري – في لحظة عابرة – توقعت أن أجد دكتور كمال في مقدمة المشيعين، فهو لا يتأخر عن مثل هذه الواجبات!
ذهب معي للمناقل في إحدى المناسبات في صيف قائظ وتحت شمس غاضبة، رغم وضعه الصحي المتقلب وخروجه من الذبحة الأولى بسلام.
“حنفي” في القيام بالواجب لا يكترث لشبح الذبحة الذي ظل يطارده بإلحاح إلى أن نال منه أمس!

لم أجد في حياتي رجلاً يجمع بين الجدية واللطف مثل كمال، منضبط في كل شيء في ملبسه ومأكله ومواعيده، حتى عدد كلمات عموده الراتب بالعزيزة (الرأي العام) طوال كل هذه السنوات لا يزيد ولا ينقص عن (333) كلمة “طق طرق”!
كل شيء محسوب بدقة متناهية وموجود في كمبيوتره الشخصي الذي بث فيه من المشاعر والظرف ما غير من طبيعته الآلية الصماء، وكما يقول صديقي وجدي الكري، بلإمكان كمال حنفي أن يفاجأني بعيد ميلاد ابنتي رنا!
في مساء خريفي جاء كمال على غير العادة للرأي العام تسبقه تورتة من المقاس الكبير، كانت المناسبة بلوغ عموده الصحفي خمسة أعوام.. ضحكنا معه حينها، وسخرنا من أنفسنا!

وقبل أيام ثلاث علق في عموده (إلا قليلا) على خبر إصابة ربع السودانيين بارتفاع ضغط الدم، وجاءت جملته الصادمة (أيها الموت تمهل قليلاً)!
(أرشيف الكاتب)


تعليق واحد

  1. لم يعد لصحافة بريقها منذ رحيل عمالقتها إلي أن بداء يتساقط اخر عنقودها امثال كمال حنفي وحسن ساتي وعبد المجيد عبدالرازق وتبقي مهنم القليل نسأل الله ان يمد في عمرهم بعدما اصبحت الصحافة بابها مفتوح لكل من هب ودب ومهاترات وشتائم بين هذا وذاك