“عطبرة القديمة” بكافوري
دعوني أبدأ من هنالك.. انتبهت إلى أن هناك مكالمة فائتة من الرياضي الأشهر كمال حامد، ثم يتبعها برسالة أخرى عبر الواتساب، أدركت أن ثمة شيئاً مهماً يتعلق بالمنطقة التي تنتمي إليها روابطياً.. وبطبيعة الحال استبعدت تماماُ أن يكون الأمر رياضياُ.. فبرغم انتمائي إلى مجموعة الإعلامي الرياضي الأبرز مزمل أبو القاسم.. إلا أن انفعالي الرياضي لم يتعد ممارسة المشاهدة بعد.. فأدرت الهاتف باتجاه الأخ الأستاذ كمال حامد.. فبادرني بقوله “إنت وين ياود الصائم؟”.. فكان الموضوع بامتياز يتجوهر حول ندوة (المدرسة الثانوية.. هل من عودة هل؟)!! التي صممت أن تكون تحت رعاية وزيرة التربية والتعليم.. والتي ينظمها خريجو مدرسة عطبرة الثانوية القديمة.. التي لم أتشرف بالدراسة فيها والعبور منها.. كما هو حال الكثيرين من ربعنا.. وهذه الفقرة الأخيرة مهمة جداً وتمثل مدخلاً حصيفاً لهذا الموضوع!!
* فعلى غير عادة الندوات التقليدية التي لما تحتفل بشيء، لا ترى أن هناك على وجه الأرض من هو أقيم منه.. فأول شيء فعله خريجو (عطبرة القديمة) هو إشراك ثانويات أخرى كان لها في التأريخ السوداني أسهم عظيمة وتجارب جديرة بالتوقف عندها، ويذكر في هذا السياق (حنتوب وخور طقت ووادي سيدنا).. على أن عطبرة القديمة برغم أن تشييدها كان لاحقاً – 1954 – كرابع مدرسة تاريخية إلى جانب تلك المدارس العريقة.. إلا أن خريجيها كانوا الكتف بالكتف والحافر بالحافر مع أولئك في صناعة التاريخ السوداني الحديث.. فتشرفت بهم كثيراً المنابر وتزينت بهم العديد من المواكب.. فعلى الأقل إن مدينة عطبرة طليعة النضال الثوري، لم تتختلف يوماً عن توقيع اسمها في أي محفل وطني باهظ.. يكفي أنها موئل وإلهام الروح الوطنية.. حيث ولدت في مربعاتها وحواريها أناشيد بقوة.. أنا سوداني.. ويا وطني العزيز يا أول وآخر .
* ولكي تدركوا ثقل هذه الندوة – يا رعاكم الله – التي اتسعت مكتسباتها إلى النظر في مجمل واقع العملية التعليمية، يكفي أن تعرفوا أن ضمن من شرفها بالحضور قامات في حجم السيد الوالي ود البلة، والأساتذة حسن رزق وكمال شداد، وقنيف وود الريح ومحمد حسن البشير ومحمد الشيخ مدني وهاشم الهادي وآخرين كثر..
* بطبيعة ذلك الجيل الذهبي.. كانت الندوة بمثابة مذاكرة تأريخية ومحاولة التعبير عن ذلك الامتنان بصناعة بعض المكتسبات للمدارس الثانوية الأم.. ردا للدين وإمضاء لعهد التواصل.. فتدفقت المليارات والأفكار الملهمات وصادق الأمنيات.. وكانت حكومة ولاية نهر النيل هي من بادرت برفع شعار.. إعادة عطبرة القديمة إلى سيرتها الأولى.. وتلقف الخريجون قفاز المبادرة ووسعوها وأوسعوها عصفا ذهنيا قيما لصالح العملية التربوية برمتها..
* على أن هذه الثقافة عند الكثيرين قد لا تعدو كونها عاطفة جارفة الي ثقافة (الزمن الجميل) !! على أن الأجيال على مر التاريخ لا ترى في لاحق عمرها شيئاً جميلاً.. كما لو أن التاريخ يقف عند منعطفات صباهم وما يقترن بعهد الصبا من أغانٍ ومعانٍ وأمكنة ومؤسسات..
لكن يبدو أن أصحاب هذه النظرة مسرفون أكثر في التأويل والدلالات والبكاء الجميل.. على أن استقامة المشهد يكمن في قيمة الوفاء أكثر منه بكاء على أطلال التأريخ الذي يستحق الدموع الغالية.. لما يتحسس المرء في لحظة تاريخية فاصلة بعض مكتسباته.. لا يملك إلا أن (يتبن).. يتحسس.. بعض الذين ساهموا في نجاحه.. فيعبر عن هذا الامتنان بإقامة مثل هذه الورش والندوات الحسان والإحسان.. فعلى الأقل أن (ندوة كافوري) قد خرجت برؤى جديدة وهي تنظر في مجمل العملية التعليمية وتقدم لها بعض خارطة طريق.. سيما من ضمن الحضور بعض المعلمين من أصحاب الخبرات الشهيرة الجهيرة!!
* شكر أخي الأستاذ كمال حامد.. شكرا عطبرة القديمة الجديدة.. شكرا للخريجين والمشاركين.. والله ولي التوفيق.