قيادية يتملكها الخجل وعضو ينشر إعلان انسلاخه المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية.. حينما يخرج الإنسان من جلده
ربيع عبد العاطي: يوجد اختلاف بين أصحاب المبادئ والمنافع
أبو حجيل: الخلاف حول تطبيق المنهج وراء إنكار الانتماء
“ما في داعي تجيب لينا هوا” بهذه الكلمات خاطب شاب ينتمي للمؤتمر الوطني أحد أصدقائه، وطالبه بعدم الإشارة الى انتسابه للحزب الحاكم على الفضاء الاسفيري في “الفيس بوك” وعدم انتمائه للحركة الإسلامية، وبرر طلبه هذا بتخوفه من التعرض لهجوم من مرتادي وسيلة التواصل الاجتماعي المؤثرة، وفي موقف مشابه ظل أحد انصار ذات الحزب يؤكد عدم صلته به أمام الملأ رغم حرصه على حضور اجتماعات التنظيم السياسي الذي يحكم البلاد منذ ربع قرن من الزمان، وحالة إنكار الانتماء للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كشف عنها عدد من منسوبي الكيانين، حتى إن إحدى العضوات قالت في منشط حزبي وأمام مسؤول رفيع إنهم “باتوا يخجلون من الانتماء للمؤتمر الوطني”، حالة الانكار هذه والخجل من الحزب والحركة قد تكون مبررة لدى البعض بحسبان أن الوطني في نظر الكثيرين سجل إخفاقاً بيناً في إدارة البلاد، فيما يؤكد آخرون أن الحزب قاد السودان الى نهضة حقيقية، وما بين هذا الرأي وذاك تبرز الأسئلة، لماذا ينكر البعض الانتماء للتنظيم والحزب الإسلاميين، فيما يتمسك آخرون بالحزب ويدافعون عنه باستماتة، وأيهما على حق.
طه يعود للمحاماة
لكي نستعرض نماذج مقاربة لحالة إنكار البعض الانتماء للحزب الحاكم و”الخجل” من هذا، ينبغي سرد واقعة غريبة تصلح لتكون مقياس رسم لما وصلت إليه تحفظات الأعضاء. فقبل أيام من الآن قام أحد أعضاء الحركة الإسلامية بنشر إعلان مدفوع القيمة في هذه الصحيفة، مصحوباً باسمه الكامل وصورته، أعلن من خلاله انسلاخه التام من الحركة الإسلامية، وتلك حالة غريبة في المشهد السياسي.
ولنعد الى الوراء قليلاً ونغوص في حديث أدلى به النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، وعضو البرلمان علي عثمان محمد طه، الذي أكد أن ثورة الإنقاذ الوطني لا تزال قادرة على أن تتجدد وترد على الناس ليس بلسان الكلمات وإنما بكوكبة من رجالات السودان ترتفع فوق كل انتماء لحزب أو شخص أو جهة أو طائفة، ووجه طه سهامه لبعض من وصفهم بالاستحياء في التحدث عن الإنقاذ الآن بكل قوة وهمة وفخر وإعزاز تستحقه، وقال: نقول للذين لا يحسنون هذه الأيام إلا أن يرموها بكل قبيح وشنئ إن الإنقاذ تتجدد وترد، واعتبر طه أن والي ولاية شمال كردفان أحمد هارون نموذج يسعد أهل السودان باعتباره من الشباب الذين أعدتهم ثورة الإنقاذ الوطني التي يستحي بعض الناس الآن في التحدث عنها بالقوة والهمة وبالفخر والإعزاز التي تستحقه في كتاب تاريخ السودان، وقال: نقول للذين لا يحسنون هذه الأيام إلا أن يرموها بكل قبيح وشنئ إن الإنقاذ تتجدد وترد على الناس ليس بلسان الكلمات وإنما بمثل هذه النماذج، معتبراً أن الإنقاذ نجحت في أن تفجر الولاء الوطني بعيداً وعميقاً وجمعت كوكبة من رجالات السودان فوق ما وراء الانتماءات الحزبية يجتمعون الآن حول قضية مركزية هي بناء السودان وإعلاء أمنه وإعزازه وكرامته فوق كل انتماء لحزب أو شخص أو جهة أو طائفة. وقال هذه هي الرؤية الحقيقية والروح الحقيقية التي نريدها أن تعلو وأن تسود، حديث النائب الأول السابق جاء خلال استعراض البرلمان تجربة نفير ولاية شمال كردفان وهي الفرصة التي استفاد منها للدفاع عن حزبه الذي يرى أن بعضاً من منسوبيه يرفضون الدفاع عنه، وبدا علي عثمان محمد طه يومها وكأنه قد عاد الى ممارسة مهنة المحاماة وهو يتحدث مدافعاً عن المؤتمر الوطني.
الخجل من الحزب الحاكم
في منشط سياسي يخص الحزب الحاكم خلال فترة تولي البروفسير إبراهيم غندور منصب مساعد الرئيس ونائبه للشؤون التنظيمية، وجد أيضا طبيب الأسنان نفسه مجبراً على الدفاع عن حزبه الذي ظلت تلاحقه تهم الفساد، وذلك حينما بلغ به الغضب مبلغًا عظيماً وهو يخاطب تجمعاً لقيادات المرأة بالمؤتمر الوطني، وقال في رده على اتهامات أعضاء الوطني بالفساد “العندها أي وثائق تثبت إنو أي قيادي من المؤتمر الوطني أو مسؤول عليه دلائل فساد بالدليل القاطع تجيبوا لي أنا دا لو ما حاسبناهو وقدمناهو بعد ذلك للنيابة والقضاء أسألونا”، ولم يكتف الرجل الموسوم بالبرود والدبلوماسية بذلك التعهد القاطع بمحاربة المفسدين، بل رد غندور على مداخلة لقيادية من المرأة بالحزب، أعربت عن خجلها من الانتماء للمؤتمر الوطني، بسبب الحديث عن الفساد بقوله: “ارفعي رأسك عالياً، وقولي أنا مؤتمر وطني في عين أي زول، لأنو إن جئنا للحساب فنحن جاهزون”، ودعا إلى عدم الانهزام والتراجع وطأطأة الرأس، مشدداً على أنهم لن يسيئوا إلى أحد، ولن يقبلوا أن يسيء إليهم أحد بلا دليل، وحث غندور قيادات المرأة بحزبه على البحث عن الوزراء السابقين في تاريخ السودان، وقال: “شوفوهم ساكنين في عشش، ساكنين في عمارات أيام العمارة عمارة، أيام الاسمنت ما بلقوهو بالسهولة إلا بتصديق من فوق”، مؤكداً أن قضية الفساد قضية نسبية، وزاد: “ومتى ما تأكدنا لن نرحم الفاسدين”.
الحاضنة ونفض اليد
البعض نظر إلى الحديث الأخير للشيخ صادق عبد الله عبد الماجد الأخير الذي أكد أن الحركة الإسلامية لم تحكم طوال ربع القرن الماضي على أنه حالة نكران وتنصل عن المؤتمر الوطني الذي يعتبر الذراع السياسي للحركة السلامية، فإن شيخاً آخر ظل وإلى أن توفاه الأجل “عليه الرحمة” عاتباً على الحركة الإسلامية التي يعتبر أبرز الذين ثبتوا أركانها بالسودان وهو الشيخ الراحل يسن عمر الإمام الذي قال في أيامه الأخيرة مقولة شهيرة تذهب في اتجاه التأكيد على أنه لا يستطيع أن يتحدث إلى أبنائه ولا في المسجد ليدعو للحركة الإسلامية، وهو خجل يرجعه البعض الى أن المؤتمر الوطني الذي انبثق من رحم الحركة الإسلامية التي تمثل له الحاضنة لم يقد البلاد إلى ما كان يصبو إليه الراحل يسن وغيره من قادة إسلاميين بارزين.
وشاهد من أهلها
وبطبيعة الحال فإن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، وحينما توجه أحدهم بسؤال الى القيادي البارز قطبي المهدي حول الخجل من الانتماء للحركة الإسلامية والاستحياء من الدعوة للانضمام إليها فقد اتفق مع الشيخ الراحل يسن عمر الإمام وأجاب قائلاً: وكلام “يس” صحيح، فأنا أولادي لم استطع إدخالهم الحركة الإسلامية، وكثير من الشباب في أسرتنا ينتمون إلى أنصار السنة وبعضهم ذهبوا إلى داعش، لأن هنالك فراغاً كبيراً الحركة الإسلامية لم تستطع ملأه، وأنت عندما تدعوهم للحركة لا يجدون مبرراً للدخول إليها.. لذلك أنا نفسي ليس لدي ما أقوله لأبنائي ليدخلوا إلى الحركة الإسلامية، فهم يجدون في أنصار السنة نشاطاً وحراكاً دعوياً، وأضاف: هنالك تنظيم اسمه حركة إسلامية، تنظيم كبير جداً ومرتب، ولكن أين الحركة الإسلامية أنا أبحث عنها في الحياة، ويبحث عنها أولادي في الجامعات ولا يجدونها.
الطمع والفزع
الخجل من الانتماء للمؤتمر الوطني أو نكران الانتساب إلي الحزب الذي ظل يحكم البلاد لربع قرن من الزمان ارتكب خلالها ما يعتقده البعض الكثير من الأخطاء الجسيمة وباهظة التكلفة، تذهب تفسيراته في اتجاهات مختلفة، فالبعض يعتقد أن نكران الانتماء او التواري خلف حاجز عدم الرضاء من بعض السياسات والوقوف على رصيف الفرجة ما هو إلا تعبير عن غضب البعض من الابتعاد عن مناصب كانوا يجلسون عليها حزبياً وتنفيذياً وتشريعياً، وأن آخرين لم ينفضوا أيديهم كلياً من الانتماء للحزب، ولكنهم آثروا الانزواء بعيدًا واختفوا عن المشهد احتجاجاً على ما يعتبرونه انحرافاً قد شاب تطبيق مبادئ الحزب علاوة على الاخفاقات التي صاحبت الأداء سياسيًا وتنفيذياً، أما الفئة الثالثة التي تنكر الانتماء للمؤتمر الوطني فتتمثل بحسب التفسيرات في الذين رضعوا من ثدي الدولة وقتاً ليس بالقصير وعندما جف الضرع فضلوا إثارة الخلافات ومن ثم الابتعاد عن الحزب، وهنا يعترف ضمنيًا القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي بوجود من ينكرون الانتماء للحزب الحاكم، وذلك حينما أشار في حديث لـ(الصيحة) إلى أن البعض يكثر عند الطمع وينفر عند الفزع، مفسرًا حديثه هذا بأن أهل المبادئ هم وحدهم الذين لا يعرفون التراجع والتنكر لحزب اختاروا عن قناعة الانتماء إليه، وأردف: ابتعاد أهل المنافع عن الفزع أمر ليس بالجديد فقد ظل يتكرر منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لذا فإن تكرار نموذجه ليس بالشيء المستغرب، ويعتقد الدكتور ربيع عبد العاطي ـ الذي ظل من المنافحين عن الحزب الحاكم والناصحين له في ذات الوقت ـ أن الباطل كثيراً ما يختلط بالحق والتمييز بينهما يكون عند الملمات التي قال إنها تختبر معادن الرجال، ويرى أن هذا أمرًا جيداً لجهة أنه يوضح صاحب المبادئ من ذلك الذي يبحث عن المنافع، ووصف أصحاب المبادئ بالذهب الذي تزيده نار الملمات لمعاناً، وقال ردًا على سؤالنا حول احتمال غرق سفينة الإنقاذ استنادا على معطيات الواقع، أن الذين انضموا للمؤتمر الوطني عن قناعة فإنهم لن يقفزوا من السفينة، وتحت كل الظروف سيتمسكون بها لأنهم بحسب عبد العاطي إذا خاضوا حرباً ولم يكسبوها فإنهم منتصرون.
الخلل ومكمنه
ئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية بولاية شمال كردفان، الشيخ حسين الطاهر أبو حجيل، إلى أن الانتماء للحركة الإسلامية عقدي يرتكز على مبادئ إسلامية سامية، ويؤكد في حديث لـ(الصيحة) أنه انتماء إلى فكرة وعقيدة وإلى منهج حياة أراده الله للبشر وختم به رسالاته، وأضاف: الانتماء يجب أن يكون مقروناً بالتزامات عقدية ومنهجية وحركية، من ناحية عقيدة يجب إرجاع كل الأمر الى الله مثلما كان يفعل صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصة شيبان الراعي تصلح للتأكيد على أن كل الأمر لله، ومن ينتمي للحركة الإسلامية حاكماً أو محكوماً يجب أن يكون أمره الى الله، وفيما يتعلق بالمنهج، فهو مخطوط في القرآن والسنة ولا يتغير ولا يتبدل، أما الحركي بأن يتحرك وفقاً للعقيدة وطبقاً للمنهج في حياته، ويشير أبو حجيل الى أن كل الحركات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم تنتهج ذات العقيدة والمنهج وهدفها الأول والأخير أن يعود الإسلام إلى عهده الأول، ويمضي أبوحجيل في حديثه حول نكران الانتماء للحركة الإسلامية وذراعها السياسي المؤتمر الوطني، ويؤكد وجود حالة إنكار ويرجع هذا الأمر إلى وجود بعض الممارسات الخاطئة من بعض الأفراد أو جزء من المجموعات، كاشفًا عن أن هذا موجود في كل الحركات الإسلامية، وقال إن حركات التكفير التي توسم بالأرهاب هي ذات منهج إسلامي ولكن نفر منها الناس بداعي ممارساتها ومنهجهاً، مبيناً أن الخلاف في الحركة الإسلامية يتمحور حول كيفية تطبيق المنهج وإجماعها على التطبيق، معترفاً أن جعل البعض يحجمون خاصة في الأيام الأخيرة عن الحركة والحزب، ورأى أن هذا لا يعيب القاعدة التأسيسية للحركة بيد أنه يعيب الأفراد وبعض المجموعات في السلطة أو في الحركة.
الخرطوم: صديق رمضان
صحيفة الصيحة
قال رسول الله : ((ليتمنين أقوام ولوا هذا الأمر أنهم خروا من الثريا وأنهم لم يلوا شيئاً )) .
رواه البخاري كتاب الفتن باب خروج النار رقم (7119) (13/84 فتح الباري )