السكة الحديد.. ثمة عودة محتملة
* في بلد شاسع كالسودان، يكفي أن تجهز على مؤسسات نقله لتجعله مشلولاً تماماً غير قادر على النهوض على أن المناهضين للسودان من وراء البحار كانوا من الذكاء بمكان، وهم يجعلون مؤسسة بحجم هيئة السكك الحديد تموت تدريجياً بحجب الدواء – قطع الغيار – عنها تماما وما حدث للسكة الحديد حدث لهيئة الخطوط السودانية والبحرية!! صحيح أن هناك مساحة للمناورة والتماهي مع الحظر الأمريكي على السودان، يختلف الناس حول نسب إمكانية إختراقه لكن في خاتمة الأمر يصبح الحظر بمثابة الضرية القاضية لهذه الهيئات، ولا أرفض هنا مبدأ إدخال ضربات من (جهات صديقة) تتمثل في تجمد العقل الإداري وتحجره أحياناً، على أن التأريخ والمسيرة الإنسانية يحدثاننا عن تجارب نهضة أمم وشعوب على أنقاض إحكام سيطرة الحظر والحصار عليها.. بل في أزمنة الشدة تنجلي أكثر عبقريات النخب والشعوب، وتولد على قارعة طريق المسغبة العقول والحلول العبقرية و.. و.. وتلك قصة أخرى نعرض لها في حينها..
* نحتاج أن نتفق هنا جميعاً بأن أقوى الضربات التي جعلت الأرض تهتز تحت أقدام اقتصادنا، هي ما أصاب هيئة السكة الحديد من تدهور وتراجع مريع نختلف ونتفق حول أسباب هذا التراجع المخيف الذي تتعدد أسبابه.. وأنا شخصيا كواحد من أبناء الشمال الذين تربوا وسط ورش وقضبان وثقافة هيئة السكة الحديد، بحيث أن القطر لم يكن مجرد وسيلة نقل فحسب، بل كان هو الأغنية واللحن والقصص والعنوان والحياة والأمل والمستقبل.. لم أذكر أحزنني بل وروعني، مثل خبر بيع قاطرات الهيئة وتأجير خطوطها وانفضاض شغيلتها وانطفاء شعلتها.. كانت السكة الحديد بالنسبة الحياة.. بل هي بمثابة نهر نيل ثان.. فالجماهير في تلك المضارب كانت بين خيارين معيشيين إثنين، إما (أن تنزل الجزيرة أو أن تسدر للسكة الحديد)!! إما أن تكون مزارعاً أو عاملاً بهيئة السكة الحديد حتى القصص التي تربينا عليها كانت من وحي القطارات، فلا أعرف قصة بطلها أحد أجدادنا وأعمامنا وآبائنا، ولم تكن تراجيديا فصولها قد اقترنت بحركات القطارات والمحطات.. حتى الأدب والأغاني ازدهرت مع الهيئة وذبلت معها.
* وسط ركام أخبار السياسة وطواحين الهواء والاحتفالات الخواء التي تختنق بها الصحافة.. احتفلت أمس على طريقتي بخبر فرعي كتب على استحياء في الخطوط الصحفية الخلفية، يقول الخبر “إن هناك رغبة جادة ووعد وعهد بعودة قطارات الهيئة إلى الواجهة”. وإن الهيئة على الأقل قد ضربت موعداً لتسيير قطار ركاب (بورتسودان مدني الخرطوم).. ومن ثم تستمر الهيئة في العودة التدريجية و.. و..
* لي قناعة قديمة جديدة، بأن لا عافية لاقتصادنا وبلدنا بمعزل عن هيئة سكة حديد فاعلة، حتى أزمة دارفور يمكن اختراقها بوصول القطارات إلى كل مدن الإقليم، فعلى الأقل إن السلع هناك تتضاعف عشرات المرات لأنها تنقل بالطائرات.
* فغير جدوى قطارات البضائع، بحيث إن الديزل الواحد بإمكانه جر حمولة خمسين شاحنة.. ففي المقابل إن حاجتنا لقاطرات نقل الركاب تتضاعف، للأمن والأمان أولا، ثم للاقتصاد وحتى متعة الأسفار.. هل تعلموا أن تكلفة الحافلة السياحية الواحدة الآن يتعدى المليار ونصف المليار ومع رداءة الطرقات تصبح درجة الإهلاك سريعة ومخيفة على أن كل في نهاية الأمر يضاعف من ثمن تذكرة المواطن، كما يهلك ما بأيدينا من عملات صعبة على شحها.
* لماذا لا نجعل من هم عودة القطار والهيئة همَّاً رئاسياً، كأن يعلن السيد رئيس الجمهورية هذا العام عاماً لهيئة السكة الحديد؟!