اثنا عشر اسمًا.. وسبعة أرواح لإنقاذ رأس!
” وليتَ لي كالأسد مئة اسم
وعلى كلّ اسم فروة
ولكلّ اسم قبيلة تسمّي به أبناءها
ولا تدري قبيلة باسم الأخرى ”
الشاعر الفلسطينيّ زكريّا محمّد
___________________
يقف مئات العراقيّين يوميًّا أمام مكاتب السجلّات الحكوميّة لتغيير أسمائهم، بُغية تأمين الحماية الأفضل لذواتهم من العنف الطائفي. الجميع يبحث عن اسم محايد يمكّنه من العيش وسط أتون الحرب الأهليّة التي تحصد عشرات القتلى يوميًّا، لسبب جديد كلّ مرّة.
القتل على الهويّة، والقتل على الاسم، مصيبة أخرى من مصائب العراق «الجديد» الذي أصبح يشبه أبناءه. وما انفكّ، في إطار الدمار الممنهج، يُغيّر ماضيه ويتنكّر له، إلى حدّ مطالبة البعض بتغيير العلم العراقيّ والنشيد الوطنيّ.
والأمر ليس بدعة؛ فلقد لجأ الكثيرون في عهد الرئيس الراحل صدّام حسين إلى تغيير أسمائهم، لما تُثيره من شكوك لدى أجهزة المخابرات.
البدعة غدت خدعة تُثير حماسة الجميع، ولا أدري إن كانت تُثير حزن أحد. بعد أن يخلع العراقيّون أسماءهم، ماذا سيبقى في حوزتهم ليتعرّفوا إلى أنفسهم؟
التنكّر لاسمك اغتيال معنويّ، فهو يُلحق دمارًا أبديًّا لدى الإنسان العربيّ، الممتدّ اعتداده باسمه إلى شجرة ضاربة جذورها في المفاخرة بالنسب والأجداد. إنّه تنكّر لقبيلة بأكملها كنت نسلها وفخرها. لكن، ما العمل عندما تحمل اسمك كما لو كنت تحمل كفنك، عندما يكون فيه احتمال حتفك، أوّل ما تغادر حيّك إلى حيّ آخر؟
اليوم، يوجد من كلّ عراقيّ نسختان، واحدة في القلب وأخرى في الجيب، واحدة محفورة في جيناته، وأخرى مخطوطة على هويّته. فقد نجحت ماكينة الاحتلال في اختراع وحش جديد يتكفّل بإفراغ العراقيّين من جميع الطموحات عدا البقاء على قيد الحياة. إنّه وحش الخوف!
أوّل خوف وأكبره، خوفك من اسمك. أتحتاج إلى شجاعة، أم إلى جبن، لتأخذ قرار التخلّي عنه إنقاذًا لحياتك؟ فأنت تدرك تمامًا أن لا حياة لك بعده، وأنّ شيئًا منك مات وأنت تحمل غيره، وأنّك، باختيار اسم محايد يبرّئك من طائفتك، تزداد تقوقعًا في فدراليّة الطوائف.
ربّما كان الحلّ لمأساة العراقيّين مع الأسماء ما تفتّقت به قريحة أمّ ألمانية، أرادت إطلاق 12 اسمًا على ابنها «حتى يشبّ الطفل في ظلّ الروح الثقافيّة للعصر».
المحكمة لم تسمح للأمّ بإطلاق أكثر من خمسة أسماء على الطفل في الحدّ الأقصى. وكانت الأمّ، وهي ربّة بيت في السابعة والعشرين من عمرها، تريد تسمية ابنها «تشينيكواهو ميجيسكاو نيكابي هون نيزيو أليساندرو ماجيم تشايارا أينتي أرنستو بريتبي كيوما باترا هنريكي»!
أنقل هنا، هذه الأسماء الاثني عشر، لتكون في متناول العراقيّين. فلا أرى لهم والله من خلاص سوى في اختيار واحد منها.. ولِمَ لا.. جميعها؟ فالعراقيّ يحتاج اليوم إلى سبعة أرواح لينجو من كلّ كمائن الموت، وإلى اثني عشر اسمًا لإنقاذ رأسه.. إن نجا !
(2005 من كتاب ” قلوبهم معنا وقنابلهم علينا ” )