مرة أخرى .. زيارة الرئيس ليوغندا
بالرغم من عودة الرئيس من يوغندا سالماً على العكس من توقعاتي المتشائمة التي تنبأت بغير ذلك إلا أنّي لا أزال مصراً على موقفي السابق حتى بعد أن عاد بما يعني أنه ما كان ينبغي أن يزور (الحية الرقطاء) حتى ولو أغمضت جفنيها وعينيها عن رؤيته وأغلقت فمها الممتلئ سما زعافاً ذلك أن أمثال الرئيس اليوغندي موسيفيني لا يؤتمنون مهما بذلوا من عهود ومواثيق، ولا استبعد البتة أن يكون قد رمى الطعم لحين آخر أكثر إشباعاً وروياً.
كان مبتغاي وأنا أصد عن تلك الزيارة وأحذر منها ألا أعرض البلاد لفتنة قد لا تبقي ولاتذر جراء ما يمكن أن يترتب على الفراغ الدستوري الذي قد يفرزه غياب الرئيس من خلال توقيفه في تلك البلاد الظالم رئيسها في هذا الظرف التاريخي الخطير وغير المواتي، وإذا كانت العودة الظافرة للبشير قد كذبت توقعاتي فإن موسيفيني بعباراته القادحة في عدالة محكمة الجنايات الدولية والتي أطلقها خلال زيارة الرئيس البشير قد نجح تماماً في تطمين ضيفه وأجهزة أمنه مما يجعل اتخاذ قرار حول أية زيارة قادمة ليوغندا لا يختلف عن قرار يتخذ لزيارة ولاية الجزيرة أو نهر النيل وهنا مكمن الخطر .
ما كان من الممكن للرئيس اليوغندي في ذلك المحفل الذي أقيم احتفاء بتنصيبه أن يصرف الناس عن مناسبة شخصية لا يمكن أن يقدم عليها أمراً آخر مهما عظم كما أن توقيف البشير الذي جاء مشاركاً له في حفل تعظيمه وتنصيبه يهز من صورته ويشوه من مكانته ويصمه بالغدر والخيانة لمن أخلص له وشاركه في يوم زينته وفرحه.
لكن لا ينبغي لأحد أن ينخدع بما حدث فقد أبنت في مقالي السابق أن موسيفيني يصدر عن عداء استراتيجي فكري وتاريخي يقوم على الانحياز للأفريقانية كعقيدة وهوية وبالنسبة للسودان فإن موسيفيني ظل وفيا لمشروع صديقه قرنق الذي يدعو إلى إعادة هيكلة الدولة السودانية من خلال مشروع السودان الجديد الذي قامت على أساسه الحركة الشعبية (لتحرير السودان) وهو ذات المشروع الذي لا يزال أولاد قرنق عرمان وباقان والحلو وعقار ودينق ألور يعملون على إحيائه واستدامته حتى بعد انفصال الجنوب، ويعلم الناس مقدار الكيد الذي مارسه موسيفيني ضد السودان قبل الانفصال وبعده بما في ذلك إنشاء الجبهة الثورية في العاصمة اليوغندية كمبالا والتي ما قامت إلا كنسخة جديدة من آليات مشروع السودان الجديد.
موسيفيني يبقى هو رجل أمريكا في أفريقيا وطفلها المدلل الذي ظل يسهم على الدوام في إنفاذ استراتيجيتها في أفريقيا ولا أظن أن ما حدث من عدم توقيف للرئيس البشير كان بمعزل عن رغبة أمريكا .
ستقدم الدعوة مجدداً للبشير في وقت موات لموسيفيني ليسترضي أمريكا ويقبض الثمن، ولا أظن الأجهزة الأمنية التي جازفت بمخاطرة إلقاء البشير في التهلكة ستفعل غير ما فعلت وهي تأذن بالزيارة الأخيرة وهنا يكمن الخطر على السودان .
كما قلت وأقول إن ما يدعوني لكتابة هذا المقال وسابقه هو الخوف من الفراغ الدستوري الذي يمكن أن ينشأ من غياب الرئيس إن حدث له مكروه، ولعل موقفنا السياسي يقوم على التغيير الانتقالي التدريجي بعيداً عن القفز في هاوية المجهول الذي لا يعلم أحد إلا الله مآلاته على البلاد خاصة وأن ما حدث ولا يزال في دول كانت أكثر منا تماسكاً يجعلنا ندق ناقوس الخطر محذرين مما يمكن أن يصيب هذه البلاد التي تعاني من الهشاشة والحروب القبلية والمؤامرات العنصرية فهل نتعظ بغيرنا أم نشعل برميل البارود الذي تتقلب بلادنا في منتصفه؟
و هل نسيت الله يا مصطفى, القادر على قبض روح ابن اختك في اي مكان.
كل الطغاة لا يهمهم ما يحدث بعدهم و المهم هو بقائهم في السلطة
هل تخشى على ذهاب مملكة كافوري ام فراغ دستوري مزعوم ؟؟
لإبن اختك أكثر من نائب بجانب قطيع من المساعدين النائمين الناعمين فكيف يحدث فراغ دستوري؟؟