عندما يفشل الكاتب يرسم
اتصل بي أحد الإخوان من مؤسسة سودانية (إسلامية) بخصوص موضوع خاص، فقلت له إن الخليفة عمر بن عبدالعزيز ينتظر ضيفه حتى يسمي حاجته، إن كان لأمر عام يخص المسلمين يطفئ سراجه الخاص، وإن كان لأمر خاص يطفئ سراج الدولة ويبقي على سراجه الخاص!! فاستحسنها مني وتقبلها وهو يومئذٍ ممن عرفوا بالخلق والدين، لذا كان وقعها عليه صعب، غير أني رأيت أنها تتسع دائرة وقعها بعمليات النشر، على أن مثل هذه الممارسات أصبحت تعدو في قائمة الورع!! إذ أن فقه المال يحتاج إلى مزيد من الطرق والاستنكار!!
* ويفترض أن ما يحدث لهاتف وسراج الحكومة يحدث أيضاً لسيارات الحكومة!! سيارات الحكومة التي ليس فقط تجوب القرى والبنادر للمناسبات الخاصة فحسب، بل يحدث ذلك بسواق الحكومة ووقود الحكومة وفي زمن الحكومة!! بل أمام مرأى ومسمع الحكومة، بل ربما الحكومة التي هي أنا وأنت من يفعل ذلك !!
* كثيرون لا يفرقون بين الوظيفة العامة والسطوة الخاصة، ولي في هذا السياق قصة تستحق التذكار والتكرار لأجل العظة والاعتبار.
* وكنت أطلب يومئذ خدمة الكهرباء بمحافظة شرق النيل، وبعد أن سددت ثمن عمودين كهرباء نقدا للهيئة ظللت انتظر توصيل الأسلاك وطال انتظاري.. فكتبت يومها في أخيرة ألوان للسيد مدير هيئة الكهرباء مستفسرا عن حقيقة ما يتداول، بأن الأولوية في تقديم الخدمات لمن ينفخ جيبه ويمشي كيلو عشرة حيث الأسلاك!! فاستدعاني الرجل بمكتبه على حين وقع ذلك المقال، ثم أمر بقلع الأعمدة وإعادتها للهيئة وفتح بلاغاً في مواجهتي!!
* تذكرت يومها قصة ذلك الرجل الذي أصدر في حقه أحد زعماء الإدارة الأهلية حكما قاسياً، فقال الرجل “يا سعادة الناظر أنا رضيت بهذا الحكم فقط أود أن أعرف بأي قانون حكمتني.. بالشريعة أم بالعرف أم بقانون مدني؟!”. قال الناظر: “ما بعرف ولكن كجمتك كجم” !!
* قلت بأدب للسيد المدير الذي هو الآخر كجمني كجما!! قلت طالما قمت بفتح بلاغ في مواجهتي يفترض أنك تنتظر حكم القضاء !!
* المهم في الأمر سحبت فلوسي وذهبت لأكتب مقالا باهظا تحت عنوان (اتوسد تقيلتو عمودنا ان شاء لله ثابت أجره)!! ستة شهور بأكملها مضت قبل أن يكتشف مدير الهيئة بأنه ظلمني (بضم نعاجي إلي نعاجه)!!
* يحكي زميلنا عبدالرحمن محمد علي أنه قابل المهندس مكاوي تحت شجرة ظليلة بمدينة دنقلا، وكانوا في زيارة لحضور تخريج أول دفعة من الجامعة، قال مكاوي “عندكم زميل نبيل أنا ظلمته بنزع أعمدته وستة شهور مضت ولم يراجعني”!! فأرجو يا عبدالرحمن فور وصولك الخرطوم أن تأتيني به، كتب الأخ عبدالرحمن في عموده قصاصات قانونية يومها مقالاً تحت عنوان “أبحثوا معي عن صاحب الملاذات”!! والحق يقال إن الرجل قد أعاد لي أعمدتي واعتباري مشفوعة باعتذار !!
* أتصور أن كثيرين منا يحتفظون بقصص مشابهة يتداخل فيها الخاص مع العام، وأتصور أن هذه ثقافة أمة بأكملها ليست مربوطة بحكومة وعهد معين، ونذكر جميعا أن شيخ العرب الراحل عمر نور الدائم رحمه الله تعالى رحمة واسعة، قد ذهب إلى واجب عزاء بالنيل الأبيض على متن طائرة يقودها عراقيون، وقولته الأثيرة تلك يومئذ “عليكم الله ودوا للجماعة الطيارين غدا”!! أراقت الصحافة يومها أحباراً غزيرة وشيئاً لم يتغير!! يحتاج هذا الموضوع لمزيد من البحث من قبل رجال الفقه والاجتماع والصحافة والرأي العام.