لبنى عثمان

دموع


أسمع كثيرا هذه العبارة (كتبت بالدمع.. أو كتبت بالدم)، ولم أكن أعرف أن للدمع كل هذا الصدق الذي لم أنتبه إليه من قبل.. فحين تمر علي ذكرى وفاة والدي (رحمة الله عليه) ومن دون أن أنتبه أجد عيني غارقتين بالدمع.. ومن دون قرار معين للبكاء.. بكيت دمعا مالحا يحرق العين.. ليست كدموع الفرح التي تخلو من الملح.. فالدمعة تعبير صادق صامت.
دموع الفرح ليست في حاجة إلى قاموس يقوم بشرحها.. تراها على وجه الإنسان السعيد بأمر معين.. كالفوز والنجاح.. ودموع الحزن لا تحتاج إلى تفسير معين.. ففي مواقف كثيره.. تعرف الإجابة من الدموع.
والدمعه لا تستأذن صاحبها في الكثير من المواقف.. ولا تختار المكان المناسب لها.. فهي حاضرة وقت شاءت وفي أي مكان تجدها في لحظات كثيرة..
يبكينا الحب كثيرا حيث يخذلنا.. أو يتخلى عنا في منتصف الطريق.. أو قبل المرحلة النهائية بقليل.. والمرحلة المرة من العمر..
فيا سيدي.. وبكل الحب.. إن كانت مساحة عمرك لا تتسع لإنقاذ حب ناضج.. فلا تلق لي بطوق النجاة ولا تعرض شموخك إلى الانحناء مجبرا.. ودعني أتعلق بأقرب قشة لي..
أوَ تدري كم هي موجعة حد البكاء أنصافنا الحقيقية حين تصلنا متأخرة ومحاولة إلصاقها تؤلمنا كثيرا.. بعد أن تكون أجسادنا قد اعتادت على أنصاف لا تمت لنا بصلة؟.. فليس من السهل نسف تضاريس العمر حين يصل الإنسان إلى منتصفة فليست البدايات جميلة دائما. ولا آمنة كثيرا من الأحيان..
بدايات النضج عادة مرعبة جدا.. ففي النضج لا مجال للتجربة ولا مجال لتكرار الخطأ.. ولا مجال للاعتذار عن الخطأ.. فالسقوط والكسر في النضج يؤلم باتساع هاوية عميقة ما يجعلنا نذرف دموعا ملتهبة تحرق دواخل قلوبنا بحرارة ألمها قبل أن ترسم علامات حرارتها على وجناتنا..
أي امرأة ناضجة تملك قدرة التمييز بين الأنصاف الحقيقية والأنصاف المزيفة.. وأي امرأة ناضجة لديها القدرة على سماع دقات قلب رجل يحبها بوضوح.. فلا يمر بها ارتباك رجل يحبها وتلعثم لسانه وشرود عينيه.. مرور الكرام..
وأي امرأة ناضجة.. حين تحب تختصر الحياة كلها في رجل واحد وحين تخسره تخسر الحياة كلها.. وإن لم يكن معه فمن أجله..
معظمنا بعد الجراح نكبر كثيرا.. نكبر على الحب وعلى الأحلام وعلى البكاء وعلى الحنين وعلى النسيان.. فنتحول إلى كتلة من الوجع.. حتى البكاء بكل أنواعه يصبح كتلة من الوجع.. يترك فينا غصة شبيهة بكتلة ملح في فتحة جرح..
** وينك..؟؟
أرعبني السؤال.. فقد كنت لهذا العمر كل أصدقائه ورفاقه.. وحين سقطت من عقد أحلامي سقطت بعدك كل الأحلام وتناثرت بعدك كل تفاصيل الحكايه فأبكتني.. تلفت حولي قيودي كثيرة.. وعراقيلي كثيرة.. وأسوارك عالية لا أكاد أرى مابداخلها.. ويدخلني خوف مرعب.. ما عساي ألاقي في دهاليزها؟.. هل هي حياة مفرحة أم حياة موجعة حد الغصة والبكاء.
بكل صدق الإحساس في جوانحي.. أحتاج إلى حضن أبي هذه الليلة بقوة.. فلماذا ليس للقبور أبواب؟
أرغب جدا في الاستناد إلى جدار مخلص يمتص وهن قلبي.. ويجفف دمع عيني ويربت على كتفي..
كيف هذا؟؟. وأنا فقدت منذ زمن ثقتي بكل الجدران حولي.. تذكرت هذا وأنا أضع يميني على قلبي وتحجب دموعي الرؤية عني.. احترق فيها قلبي وانزوى كاليتيم المكسور بين أضلعي.. وبه صرخة حزن لا يسمعها سواي..
** دمعة **
تكبر الجروح مع أعمارنا
لا الزمن يشفيها.. ولا الذكرى تمحوها.