السياسة الامريكية تجاه السودان.. مراجعات أم صراع أجندة؟
فى الأشهر الاخيرة، كاد يتحول السودان الى مادة للجدل فى الدول الغربية على جانبى الاطلسى الولايات المتحدة الامريكية وأروبا، حيث تمضى العلاقات بين الاخيرة والسودان الى مراحل قد تقود الى تطبيع كامل وطى صفحة الماضى إنطلاقا من معطيات جديدة حتمت على الطرفين الانتقال الى مرحلة التعاون والتواصل الديبلوماسى بدلا من مرحلة القطيعة والعقوبات والحصار، وهناك تقبل أروبى ضمنى لتحسين العلاقات مع السودان بشكل تدريجى دوزن ان يثور ذلك حفيظة دوائر عديدة داخل وخارج أروبا.
وأما فى الضفة الاخرى من الأطلسى، فيبدو أن مسألة السودان أكثر تعقيدا ويسيطر على الدوائر المهتمة بهذا الملف الريبة والتردد (الموقف الرسمى) والتحفظ والرفض والمقاومة (مجموعات الضغط) فضلا عن انقسامات أخرى داخل أمريكا تجاه ملفات محلية وخارجية عديدة.
تراجع أمريكى
فى الوقت الراهن تثير السياسة الامريكية تجاه السودان الجدل لدى أوساط عديدة داخل مؤسسات صناعة القرار فى وشنطون، فى إطار جدل مفتوح حول تراجع الدور الامريكى على صعيد السياسة الدولية منذ غزو افغانستان و العراق ودخولها فى حرب استنزاف مفتوحة أتاحت لدول قوى أخرى على الصعيد الدولى ان تبرز دولة عظمى أخرى لتشكل واقعا جديدا ببروز نظام تعددى لا تيهمن فيه الولايات المتحدة الامريكية- التى تفردت بقيادة العالم منذ انهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفييتى- بمفردها أو توجهه حسب أهواءها ومصالحها كما حدث إبام حقبة جورج بوش الابن.
مؤخرا، نشر الديبلوماسى الامريكى المتقاعد جيرارد غالوشى مقالا لدى مركز”تحويل الصراع” تناول فيه بالنقد السياسة الامريكية تجاه السودان فى الفترة بين (2003-2004) والتى منصب القائم بالأعمال في سفارة واشنطن بالخرطوم وهى الفترة التى شهدت توقيع اتفاقية السلام السلام(2009) بين الحكومة السودانية ومتمردة الحركة الشعبية فى جنوب السودان وقد جرت هذه التسوية التى تمت فى تلك الفترة برعاية واشنطون.
دعم التمرد
فى إقرار نادر، من مسئول أمريكى رفيع سابقا ويعمل مع الأمم المتحدة فى مجال حفظ السلام فى الوقت الحالى، فضلا عن كونه باحثا مرموقا فى مجال “تحويل الصراعات”، أنتقد جيرارد غالوشى سياسة بلاده تجاه السودان والتى كانت تقوم على تقوية الحركات المتمردة فى جنوب السودان- دارفور لاحقا- فى مقابل اضعاف الحكومة السودانية وكيف أن تيارات داخل الادارة الامريكية كانت تعمل على مشروع اسقاط النظام وليس تحقيق التسوية او التوصل للسلام وإنهاء الحرب والنزاع، واضاف لقد “كان هدفهم تغيير النظام بدلا من الحل السلمي للنزاع” وهو يشير هنا الى الفترة التي تلت توقيع اتفاقية السلام الشامل فى العام 2005 عندما نشطت واشنطون فى تقديم الدعم لمتمردي الحركة الشعبية فى جنوب السودان قبل أن تنتقل الى دعم متمردي دارفور بعد اندلاع التمرد هناك فى 2003.
وأنتقد غالوشى تلك السياسية حيث قال إن “تفكيك وتجزئة السودان بمساعدة وإغراء من قبل الولايات المتحدة يمكن النظر إليه باعتباره تدخلا خارجيا آخر سيئ التصور فى نزاع داخلي باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان”، وأضاف أيضا أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو أس أيد) “أصبحت مهتمة بإرسال المساعدات الى دارفور فقط عندما صارت قضية أخرى ضد الحكومة” فى إشارة الى تيارات داخل الوكالة الأمريكية كانت “تنظر الى دارفور كسبيل آخر لإضعاف الحكومة وشجعت المتمردين على الحزم والصرامة” فى رفض التفاوض لوضع حل للنزاع المسلح بدارفور.
إنتقادات عنيفة
فى الوقت الراهن، يسطرعلى النقاش العام داخل الولايات المتحدة جدل مكثف يتركز حول مكانة الولايات المتحدة الامريكية فى العديد من الملفات والأزمات مقارنة بالعقود السابقة وان إدارة اوباما ذهبت الى ابعد مدى ممكن فى تكريس هذا التراجع الامريكى.
ويتعرض الحزب الديموقراطى الى إنتقادات عنيفة من قبل تيارات اليمين الامريكى المختلفة داخل الحزب الجمهورى وايضا من اللوبيات المتصارعة للحصول على نفوذ ومكاسب أكبر فى هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الولايات المتحدة الامريكية.
وتدرك هذه المجموعات الامريكية ان الادارة الجديدة- والتى ستتشكل عقب الانتخابات الرئاسة المزمعة فى نوفمبر المقبل ستكون- أمام إرث ثقيل وأجندة ملحة لوقف التراجع فى المكانة والتأثير والنفوذ الامريكى على الصعيد العالمى ، فمن جهة التعاطى مع التحديات التى تفرضها ملفات وازمات عديدة يمر بها العالم اليوم من الجهة الاخرى.
وينظر الى التراجع الامريكى على أنه فرصة أمام دول وأقطاب وقِوى أخرى للصعود والتأثير فى السياسة الدولية وربما تكون بعض هذه القوى قد أستغلت فعلا فترة التراجع الامريكى لتعزيز حضورها ومكاسبها فى العديد من المناطق والملفات الدولية المهمة.
عجز أمريكى
ويعتبر السودان أحد الملفات التى تشكل عقدة للعديد من الادارات الأمريكية المتعاقبة فالسودان يخضع منذ العام 1993 لعقوبات أحادية تفرضها عليه واشنطون وظلل تجدد من قبل الادارات المتعاقبة حتى اليوم، وقد فشلت كافة الادارات الامريكية فى إحتواء السودان أو تحقيق نتائج ذات بال فيه وهو سبب تنامى موجة من الانتقادات تجاه تلك السياسة العقيمة.
وإزاء العجز الامريكى وكذلك التراجع على الصعيد العالمى- يستبد القلق بمجموعات الضغط المعادية للسودان والتى تشعر أيضا بخذلان إدارة اوباما، كما تتخاوف من أن إرث أوباما فى مجال السياسة الخارجية سيكون عقبة سوف تواجهها للحول على دعم الادارة الامريكية الجديدة لاسيما وأن الاجندة والاولويات التى ستكون على طاولة هذه الادارة ستمنعها.
عقوبات جديدة
وإزاء المعطيات التى اشرنا اليها فى الفقرات السابقة وفى حالة أشبه باليأس والقلق، دعا مؤخرا مشروع “كفاية” ادارة أوباما الى تجديد العقوبات على السودان خلال الاشهر القليلة المتبقة من ولايته، حيث يشعر مشروع كفاية أن آلية العقوبات التقليدية التى يرزح تحتها السودان لم تعد فعّالة وأنها- ومع التطورات والعوامل التى صبت فى صالح السودان- سيتلاشى تأثيرها تدريجيا و لذا يقود مؤسس المشروع جون برندرغاست حملات ضارية هذه الأيام من أجل حث ادارة أوباما على فرض حزمة جديدة من العقوبات على النحو الذى فصّله مشروع “كفاية” فى تقريره الذى أصدره فى أبريل المنصرم.
صراع التيارات
رغم وجود إجماع على استمرار السياسية الامريكة التقليدية تجاه السودان، كفرض العقوبات واستمرار سياسات الإحتواء والعقوبات والمقاطعة، مع ذلك تتزايد وتيرة الانتقادات التى توجه لهذه السياسات لاسيما من قبل المسئولين السابقين الذين تعتبر آراءهم فى هذا الصدد ذات قيمة أكبر من نوع آخر من الانتقادات، ذلك أنهم كانوا شهودا على تطبيق تلك السياسات والاصرار عليها رغم ثبوت خطأها.
والأكثر تعقيدا بالنسبة لعلاقات السودان والولايات المتحدة الامريكية هو أن هذا الملف داخل الولايات المتحدة الأمريكية يتوزع على عدة دوائر، فالمؤسسات الرسمية: “البيت الأبيض”، و”مجلس الأمن القومى”، و”وكالة الاستخبارات المركزية”، ووزارة الخارجية.. مجالات تركيزها تختلف عن مجالات –وأولويات- اللوبيات التى تضم منظمات ومجموعات ضغط معادية للسودان والتى تعتبر حليفا قويا للمجموعات التمرد فى السودان بجانب الكونغرس بغرفتيه.
الخرطوم (SMC)
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .. يا ا يها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .. صدق الله العظيم .
اللهم اجعل كيدهم فى نحرهم اللهم دمرهم واجعل الدائرة عليه ياقوى يا حى ويا قيوم