مفارقة سودانية ..!
«ما بال أقوام ينتقصون عَليَّاً، من ينتقص عليَّاَ فقد انتقصني، ومن فارق عليَّاً فقد فارقني، إن عليَّاً مني وأنا منه، خُلق من طينتي، وخُلقت من طينة إبراهيم» .. رواه الطبراني ..!
مسئولاً كنت أو غير ذلك .. صانع قرار أم «زول الله ساكت» .. أنت في كل الأحوال مواطن يأخذ اسمه شكل الإناء اللغوي الذي توضع فيه أفعاله التي تحدد موقعه من كلمة «نعم»، وتقاس فيه مقدراته بشأن كلمة «لا» التي تصنع، أو تساهم، في صنع القرار .. أنت إذاً مستهلك حيناً، ومستخدم أحياناً، ومتصل «يمكن أو لا يمكن الوصول إليه» في الغالب الأعم ..!
هنالك حملات مقاطعة لبعض السلع المحلية التي تتفاقم أسعارها، قد تكترث أنت لها، وقد لا تفعل .. وهنالك بعض السلع الأجنبية أو الخدمات التي تقدمها شركات أجنبية، تستهدف قوتك الشرائية بمنتجاتها .. قد تنتبه أنت لحملات التوعية بشأنها وقد لا تفعل .. لكنك في كل الأحوال، أياً كان موقعك من صنع القرار، وكيفما كانت نسبة مسئوليتك أو طبيعة إذعانك، تبقى دوماً شريكاً مؤثراً وفاعلاً أصيلاً ..!
لأجل ذلك كله ينداح السؤال: هل سألت نفسك يوماً عن نسبة رأس المال الوطني في أي شركة تقدم لك منتجاً أو خدمة تتعلق بأستخدامك الشخصي؟! ..هل سألتها يوماً عن علاقتك كمنتج للبيانات – أو كناقل أو مستقبل لها – عن كم وكيف علاقتك المباشرة بمصطلحات عظيمة، شديدة الخطورة، على غرا: سرية الملفات .. تسريب المعلومات .. أو اختراق الأمن القومي ..؟!
قبل فترة اندلعت في مصر حملة شعبية لمقاطعة شركة «موبينيل»، والسبب أن رجل الأعمال المصري «نجيب ساويريس» قد استخدم حقه القانوني في بيع أسهمه فيها لشركة «أورانج» الفرنسية التي احتج المقاطعون في مصر بأنها تدعم وحدتين عسكريتين في إسرائيل عبر شركة اتصالات تدعى «بارتنر» ..!
ويبدو أن قلب الشعب المصري قد كان فعلاً «دليله»، فقد كشفت تحقيقات النيابة العامة في قضية جاسوس إسرائيلي – وبعد فترة من تلك الاحتجاجات – عن ارتباط اسمه بشركة «موبينيل»، وأن محطات التقوية التي أنشأتها الشركة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، قد ساهمت وبقوة – بحسب تلك التحقيقات – في إيصال ترددات الاتصالات المصرية والتقاطها عن طريق إسرائيل .. فسهل ذلك عمل شبكة التجسس في متابعة الاتصالات الدولية والدخول على بيانات المحمول واختراق الأمن القومي المصري ..!
وهذا يعني ببساطة أن سلامة الإجراءات – وشكلانية المشي بأناقة على صراط القانون – لا تعفي القائمين على شئون وشجون الاتصالات في السودان من مسؤليتها الوطنية في مواجهة الصفقات التجارية الخاصة بشركات الاتصال التي يتمدد نشاطها داخل حدود البلاد .. فاحتكار رأس مال أجنبي مائة بالمائة لقطاع الاتصالات في أي دولة يعني – بكل تأكيد – كارثة دولية تعني خروج كم هائل من المعلومات الأمنية، ودخول كم آخر من الأخطار القومية التي لا يعلم سوى الله مداها ..!
قبل سنوات قدم المهندس “الطيب مصطفى” – مدير الهيئة القومية للاتصالات حينئذ – استقالته احتجاجاً على قرار بيع أسهم “سوداتل” في شركة موبيتل لشركة “زين”.. واليوم ها هو التاريخ يعيد نفسه بتصرف، وبذات القلق والتوجس بشأن مصير أسهم شركة “كنار” المعروضة للبيع .. وهل تصبح أسهم “كنار” أيضاً جزءاً من رأس مال شركة “زين” الأجنبي مائة بالمائة ..؟!
هذا النهج الاقتصادي – الذي يُغلِّب الأهواء ويستهدف الربح العاجل ولا يكترث بالمآلات – هو مفارقة سودانية خالصة .. حيث تبلغ نسبة الاستثمار الأجنبي في شركة “إم تي إن” خمسة وثمانون بالمائة، وفي شركة “زين” مائة بالمائة، وفي شركة “كنار” إثنان وثمانون بالمائة .. وحدها شركة “سوداتل” هي التي ينحسر الاستثمار الأجنبي فيها إلى أربعة وعشرين بالمائة، وهي تتبع في ذلك النهج الذي يتبعه رأس المال المحلي الذي يمتلك النصيب الأوفر من الاستثمار في قطاع الاتصالات في معظم دول العالم ..!
رفع الاحتكار الأجنبي للاستثمار في قطاع الاتصالات، وسودنة النصيب الأوفر، مطلب قومي .. لأسباب من الأمن .. وأسباب من السياسة .. وأسباب من الكياسة .. فهل من مُذَّكر ..؟!
ماهي علاقة المقدمة بالموضوع