يوسف عبد المنان

ونطق “الفاتح”


أغلب المسؤولين السابقين يرسمون لأنفسهم صورة قاتمة تأخذ منهم الكثير.. ويتآكل رصيد التعاطف الذي يجدونه عند مغادرة الموقع التنفيذي والسياسي بسبب سلوك ما بعد التقاعد عن الوظيفة، والتي يعتقد البعض أنها مفصلة عليه مقاساً.. سلوك السياسيين والوزراء السابقين.. إما أن يركب قطار ادعاء الإصلاح ويثرثر في مجالس السياسة والاجتماعات بالقطيعة والنقد المتجني لمن جاء بعده في كرسي السلطة، وكثيراً ما يتحدث هؤلاء بلغة الإصلاح وما هم بمصلحين حتى لأنفسهم.. وهناك فئة تلتزم الصمت وتغادر مسرح الفعل السياسي ولا تمر حتى بدار الحزب الذي حملها وهناً على وهن ووضعها في مقام المسؤولين، وهؤلاء يطلق عليهم (المعتزلة) لا يتحدثون بخير ولا بشر يضمرون ما في النفس (داخلياً).. ويحرصون على الابتعاد عن مساقط الضوء وحتى المناسبات الاجتماعية يعاودون أصدقاءهم في هجعة الليل خوفاً من لقاء الآخرين.. وقلة قليلة لا يعني لها المنصب وبريقه شيئاً.. ثابتة في مواقفها تتحدث بذات لسانها حينما كانت في السلطة، وهؤلاء يمثل النموذج والمثال منهم د.”نافع علي نافع”.. لم يتبدل لسانه وهو في الحكم وهو خارجه.. ولم تتغير قناعاته بالإنقاذ وبرامجها حتى وهو في صف المراقبين بعد أن كان من الفاعلين، ولكن د.”الفاتح عز الدين المنصور” رئيس البرلمان السابق بعد أن صمت طويلاً حتى بدأ الناس يتساءلون أين هذا الشاب الذي صعد لمنصب رئيس البرلمان بسرعة لم يسبقها عليه إلا صعود “علي عثمان محمد طه” لمنصب نائب الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية بعد الانتفاضة.. وثمة وجه شبه وتقارب بين “طه” و”الفاتح عز الدين” في كل شيء.. إلا في المواقف الأخيرة التي تعرى فيها “الفاتح عز الدين” ومشى وسط في ثياب الواعظين.. وثياب الناصحين، بعد صمت طويل جداً تدثر به د.”الفاتح” منذ مغادرة موقعه الرفيع في واحدة من المفاجآت التي لم يتحسب لها الشاب وأطلق الرجل لسانه منتقداً السياسات الاقتصادية في البلاد.. وحث النواب على الثورة لأن الأوضاع قد ضاقت بالشعب!!
هل الذي يتحدث حقاً في البرلمان الأسبوع الماضي هو د.”الفاتح عز الدين” رئيس البرلمان الذي في عهده رفض أحد الوزراء الكبار المتنفذين الإجابة على أسئلة النواب؟؟
أم هو “الفاتح عز الدين” الذي قال إن مشروع ميزانية العام 2014م، يمثل الطموح والأمل في استمرار التنمية، وفي عهده رئيساً للبرلمان تم ابتداع احتفال المجلس الوطني بالوزارة وتكريم وزير المالية لعطائه الوطني ومثابرته.. وجهده.. واليوم يصبح وزير المالية في نظر “الفاتح عز الدين” فاشلاً والسياسات التي اتبعتها الحكومة تستوجب (الثورة).. من يثور؟؟.. وضد من يثور “الفاتح عز الدين” وهل للرجل رصيد في بنك الجماهير بمقدوره تحريكه وقوداً للثورة المزعومة؟؟
إن نموذج “الفاتح عز الدين” يمثل أسوأ ما في تجربة الإنقاذ التي مجرد مغادرة أحدهم المنصب يركب قطار الإصلاح وادعاء القرب من الجماهير.
نعم الأوضاع الاقتصادية تطحن الشعب طحناً وباتت الحياة صعبة.. وتمدد الفقر والعوز وانتشرت الموبقات، ولكن “الفاتح عز الدين” آخر من يتحدث عن الفقر والفقراء والجوع والحرمان والمعاناة.. لأن الرجل لم يعش لأكثر من (25) سنة كمواطن مثل سائر خلق الله، بل تقلب في الوظائف صغيرها وكبيرها وشبع سلطة وصولجاناً وآن له أن يقول خيراً أو يختار الصمت مثل “علي كرتي” و”كمال عبد اللطيف” اللذين خرجا من الوزارة ولزما الصمت، إلا أن “الفاتح عز الدين” يركب قطاراً لا يعرف إلى أين محطته الأخيرة.


تعليق واحد

  1. ربما بعد مغادرة المنصب ” تفاجأ” السيد الفاتح بالحياة البائسة التي يعيشها المواطنون المسحوقون في دولة الشريعة المدغمسة كما تفاجأ قبله السيد النائب الاول!
    الحقيقة ان مسئولو و نافذو الانقاذ قد جعلوا بينهم و بين الناس جدارا سميكا … هم لا يكلمون الا بعضهم البعض و لا يرون الا ما يراه التنظيم .. و التنظيم و السلطة اغدق عليهم من الاموال و الثمرات و الاستثمارات و التسهيلات ما جعلهم يعيشون كالامراء و المهراجات و لانهم لا يرون الا ما يراد لهم فهم يعتقدون ان الشعب مثلهم في رفاه و قصور و شركات و استثمارات و ارصدة في جنوب شرق اسيا …
    للاسف وقاع الحال ان الانقاذ تغدق على بنيها حتى اصبحوا في معزل عن الناس و لا يدرون ما يعيش فيه الناس من المحن