أبشر الماحي الصائم

من “حلة كوكو” إلى جيلي القوم


* دعوني أبدأ من هنالك، كنت يومئذٍ على صلة ببعض الإخوان الذين انتهت بهم تصاريف الحياة إلى مدينة حلة كوكو مربع تسعة، وذلك بعد أن أمضوا فترات اغتراب معتبرة بالخليج العربي، ومن ثم رأوا أن ينفصلوا عن (حلة كوكو) ويؤسسوا إلى اللحاق بركب الرياض والطائف والدوحة!! فطلبوا مني أن أساعدهم في إشهار اسم حيهم الجديد الذي اختاروا له اسم (الدوحة) بدلا عن (حلة كوكو) مربع تسعة!! فذهبت لأكتب مقالي الباهظ (خلجنة الحياة السودانية) !! على أنه بعد تسميات الدوحة والشارقة والرياض والطائف لم تبق في عاصمة (النيل والشمس والصحراء) الخرطوم السمراء.. لم تبق إلا أم القوين والفجيرة !! وناديت على عكس ما توقع وطلب أصدقائي هؤلاء (بألا نبيع تأريخنا وحغرافيتنا رخيصين) وهما الأرسخ !! غير أن الأفظع من عمليات ارتباك شخصية عاصمتنا معماريا!! بحيث يدهن كل (عائد مغترب) ومواطن مضطرب حسب مزاجه !! الأفظع من ذلك أن يتعدى (دهان الاغتراب) الشكل إلى المضمون !!
* ومن الطرائف أن أحدث مقالي ذاك ثورة غضب عارمة وتعقيبات صحفية غاضبة، ساهمت من حيث لا أدري في ترسيخ اسم الدوحة !!
* وقصة أخرى بمضارب شرق النيل، أذكر ونحن يومئذ نتلمس طريق صحابة الجلالة، أن أصدرت إلى جانب الأخوين، دكتور صالح سنين وعبدالمنعم الزين، إصدارة ذات صلة بالمحلية، فأول شيء فعله المحافظ عبدالقادر محمد زين عند وصوله محافظا هو أن عطل تلك الصحيفة، فذهبت لأكتب مقالا شاهقا وشاقا تحت عنوان (وبكينا جهراً أشواقنا وبكينا سرا عبدالقادر محمد زين)!! وكانت فجيعتنا أن الأخ الأستاذ عبدالقادر ينتمي إلى مدرسة الثقافة والأدب!! وفيما بعد تعمقت علاقتنا بعبدالقادر الذي ترك أثرا طيبا بهذه الضاحية و.. و..
* ومن فرط انتمائنا لهذا الشرق وتبني قضايا لم يجد صديقنا محمد مدير مقسم سوداتل وهو يرحل، إلا أن يكتب لخلقه.. “أرجو أن تهتم هنا أكثر بشخصين إثنين.. أبشر الماحي ومحافظ شرق النيل”!!
* وفي هذا السياق، ومن زاوية الشرعية الشعبية التي اكتسبناها هنا جماهيريا، فضلاً عن سطوة برلمان الصحافة، فقد أصبحنا في مقام (رب نائب لك لم تنتخبه الجماهير رسمياً)!! أنت تكون ضمير أمة بلا راتب ومخصصات وبلا صافرات إنذار !!
* من هذه الزاوية وهذا الاعتبار، استوقفني أمس صاحب مكتبة الجامعة بحلة كوكو السيد محمد علي مرعي حزينا، وهو إلى جانب عاطف ميسرة، يديران أعرق مكتبتين يرجع تاريخهما إلى عقدين من الزمان، والرجل مرعي الذي أوقف حياته للثقافة ونشر الأدب والمعرفة هو الآن معاشي يستعين من بعد الله سبحانه وتعالى على قوت أسرته بهذه المكتبة، التي أعطيت هي الأخرى إنذار إزالة، مثلها ومثل أكشاك الخردوات والمشروبات والمأكولات!! التي ربما تخلف عبئا على البيئة، مفارقة ومقاربة مع ماتخلفه مكتبة الجامعة من أثر طيب في وجدان الشعب، ووجدان كلية بيطرة حلة كوكو، فضلاً عن صحف السيد المعتمد نفسه والمحلية التي تؤخذ من هنا !!
* وأنا بهذا الضرب لا أضرب على دف عاطفي، فالرجل يمسك مسوغا قانونيا يتمثل في عقد مبرم مع المحلية، طرفه الثاني الأستاذة إخلاص محمد الحسن المستشار القانوني للمحلية، الذي جدد من قبل السيد المعتمد شخصيا، والذي يقضي باستمرار عقد إيجار المكتبة إلى 2019 !!!
* أرى سيدي المعتمد أستاذ الجيلي وأنت القادم من على صهوة قيم المناصرة، أننا ننتصر بإنصاف مثل هؤلاء ونهزم بظلمهم وحرمانهم!! أرجو وإكراما للرجل وتاريخه وظروفه وخدمة للأدب أن تنتخبوا أعرق ثلاث مكتبات وتمنحونها مكانا ثابتا لا يخضع إلى (كشات المحلية)!! في مدينة عطبرة علي سبيل المثال، فقد أصبحت مكتبات (حنتبلي ودبورة) جزءاً من معالم وتاريخ المدينة!! ثقتنا كبيرة في استجابة محلية العلم والقرآن والعرفان..