منصور الصويم

العقاب بـ الغابة


أثارت قصة طفل ياباني عاقبه والداه بتركه وحيدا في إحدى الغابات، ردود فعل إعلامية كبيرة، تم التركيز خلالها على عملية البحث عن الطفل التي استغرقت ستة أيام وانتهت يوم أمس الأول (الجمعة)، حيث تم العثور على الطفل بحالة جيدة رغم طول مدة الاختفاء لصغير في عمره. والدا الطفل قالا إنهما عاقباه بهذه الطريقة لأنه كان يرشق السيارات والمارة بالحجارة، وأنهما أرادا تأديبه ليس أكثر بتركه لمدة قصيرة عند مدخل الغابة النائية، لكنهما حين عادا إليه بعد دقائق فقط بالسيارة لم يجداه في مكانه، الأمر الذي دفعهما لإبلاغ الشرطة، ومن ثم تكثيف البحث عنه حتى تم العثور عليه، ولا بد أنهما حمدا الله كثيرا أن ابنهما لم يصب بأي مكروه وهو أمر كان متوقعا في مثل هذا الموقف.
تبادر إلى ذهني سؤال وأنا أقرأ هذا الخبر، وأتابعه على مدى أيام البحث عن الطفل المفقود، والسؤال هو هل من الضروري أن توازي عقوبة الطفل – أي طفل – الجرم الذي ارتكبه أو تتفوق على هذا الجرم من حيث الأثر النفسي والجسدي؛ بهدف تأديبه وردعه و(تدجينه)؟ هل أشكال العقاب التي يمارسها الآباء على أبنائهم والتي تشمل في حدها الأدنى التقريع العنيف والإهانات اللفظية والوصفية، وعند مداها الأبعد الضرب بالأيدي وبالأسلاك الكهربائية وغيرها من أدوات أساليب الأذى البدني؛ هل تؤدي هذه الأدوات العقابية (العنيفة) إلى الدور الإصلاحي والأخلاقي المطلوب، وهل تساهم حقيقة في إدماج الطفل (الشارد) في مجتمعه الصغير وجعله منسجما ومتواصلا مع هذا المجتمع في حدود الأدب والطاعة والسلوك الحسن؟
الدراسات الحديثة في التربية والسلوك وعلم نفس الأطفال كلها تتفق على أن العقاب المشتمل على العنف سواء أكان لفظيا أو جسديا غير مجد، بل أنه في أكثر الحالات يقودنا إلى إنتاج إنسان مشوه ومبتلى بالعقد النفسية التي تصيره في آخر الأمر أما فردا منعزلا غير منتج وغير ذي فائدة على كافة المستويات، أو تخلق منه إنسانا ذا ميول إجرامية (انتقامية) تدفعه لإسقاط عقده هذه على المجتمع برمته، وبالتالي إيذاء الجميع دون فرز باتباعه طريق الجريمة والعنف والتخريب.
في دولة مثل الولايات المتحدة أو في الدول الأوروبية، أصبح للأطفال حقوق مرعية بواسطة القانون، بحيث ليس بمستطاع الأبوين معاقبة أطفالهم عن طريق العنف اللفظي أو الجسدي، وإذا حدث وتحققت الجهات المسؤولة من إيقاع هذه العقوبة على الأطفال يتم على الفور فصلهم عن والديهم، لتكون رعايتهم بالتالي عن طريق الدولة ومؤسساتها الاجتماعية والتربوية.