تحقيقات وتقارير

“جمعة العاصمة الحزينة” تبدو العاصمة أيام (الجمعات) فارغة، ليس كفؤاد أم موسى، وإنما كقرية نائية قصية ومنسية

تختلف الخرطوم يوم (الجمعة) تحديداً عن بقية أيام الله، يتوقف ضجيج سارينات الإسعاف، وتصبح شوارعها خالية من زحمة السيارات الفارهة. سائقو الهايس، التاكسي الأصفر والأمجاد، وحدهم يتحركون في أزقتها وتقاطعات شوارعها دون التقيّد بإشارات المرور الخضراء بحثاً عن (حق كيس الخضار) وجالون البنزين ادخاراً ليوم لم يأت بعد.
بالطبع لا تخلو الشوارع من حركة بعض المواطنين الذين دفعتهم ظروف الحياة وضنك المعيشة للخروج من منازلهم بحثاً عن رزق مكتوب لتوفير حاجياتهم ومستلزمات شهر رمضان.

رحلة طويلة
حسناً؛ الرحلة من محطة (حبة البركة) بمنطقة الصالحة هجيليجة حتى موقف مواصلات استاد الخرطوم، تبدو يوم الجمعة أقصر وأسرع بعكس بقية أيام الأسبوع التي يتعارك فيها الناس ويتسابقون لمغادرة المحطة. تحركت الهايس دون أن يكتمل نصاب ركابها، ببطء ومن على نافذتها ظل سائقها يراقب الشوارع والأزقة على جانبيها بحثاً عن راغبين في الصعود في مركبته بلوغاً إلى غاية ما، لكنه لا يجني سوى جنيهات لا تتعدى الثلاثين، دونما توقع (لمضايقات ما) في الشارع أمسك بمقود عربته بيد وبالأخرى ظل يتجول في محطات الـ (FM) وكان أكثر الأصوات وضوحاً هو صوت السماني الابن الذي كان يتحدث للأطفال في الموجة (104.0) ويحثهم على ضرورة تفقد المحتاجين خلال شهر رمضان، وعدم ممارسة كرة القدم كثيراً خلال الشهر بالنسبة للأطفال الذين سيعالجون أمر الصيام.

في موقف المواصلات
موقف مواصلات الإستاد هو الآخر لم يبد كحاله في باقي أيام الأسبوع. حافلات وعربات هايس ينادي سائقوها الركاب (كدرو.. كدرو.. كدرو)، بينما يبذل بائعو المشروبات والعصائر الطبيعية في مساطب الموقف ابتساماتهم لجذب القادمين والنازلين تواً للتوقف عندهم ولإرواء ظمأهم بكوب من عصير (الكركدي) أو(الليمون) مقابل ملاليم لا تصل الجنيه، وحتماً هناك من يتوقف عندهم. ويقول العم مهدي الشيخ لـ (اليوم التالي) إن الخرطوم يوم (الجمعة) تختلف عن بقية الأيام تماماً، وأكثر ما يميز شوارعها الهدوء وقلة السيارات التي تسبب الازدحام والإزعاج، ويخيل إليك أنها ليست هي ذات تلك العاصمة التي يعاني سالكو دروبها من زحام سياراتها ودخان عوادمها التي تزيد الجو سخونة و(كتمة)، وفجأة رغم مع الضجيج والتزاحم والتدافع وارتفاع درجات الحرارة ينقطع التيار الكهربائي دون استئذان تاركاً خلفه تكهنات كأمنيات (هسي بتجي).

موقع تجاري
مواقف المواصلات يوم (الجمعة) لا تكون حكراً على الهايس والروزا والتاكس والأمجاد، فهي موقع تجاري مفتوح أيضاً دون بقية الأيام، حيث تتوفر فيها إلى جانب محال العصائر الطبيعية العديد من السلع وبعض والخضروات والفواكه. فالأسعار – بحسب تجار بالموقف – أقل من أسعار الأسواق الأخرى، وتتناسب مع ظروف المواطن ووضعه الاقتصادي. ويضيف أحدهم لـ (اليوم التالي) أنهم لا يتجادلون مع زبائنهم في السعر كثيراً خاصة يوم (الجمعة). وتابع محدثي: “الناس وضعها معروف وخاصة الناس البيجو السوق يوم الجمعة ديل لو وضعهم ما صعب ما كان طلعوا من بيوتهم أصلاً”. إلى جانب ذلك تتوفر بعض احتياجات رمضان مثل (الكركدي، والبلح، وبدرة التبلدي)، فيما تعلو حواف أرصفة الموقف بائعات الأطعمة اللائي يوفرن الأطعمة للسائقين والكماسرة لاسيما وجبات (الكسرة والعصيدة) للإفطار.

في السوق القريب والواقع جغرافياً بين موقف الإستاد وجاكسون تفتح بعض المطاعم أبوابها إلى جانب المحال التجارية الصغيرة خاصة البوتيكات ومحال الملابس والنظارات، وفيها يبدو الحراك ضعيفاً بعكس بقية أيام الأسبوع حين تمتلئ الشوارع بالسائرين وتتعالى أصوات مكبرات الصوت، فهناك من يستغل فرصة تدني الزحام لشراء احتياجاته ومن ثم يمضي إلى وجهته، ولحظت الصحيفة خلال جولتها حراكاً لبعض المغادرين للعاصمة بحقائبهم يكملون شراء لوازمهم قبل التوجه إلى موقف السفريات بالسوق الشعبي الذي تنشط في حركة البصات السفرية والمسافرين لقضاء شهر رمضان مع ذويهم في ولايات البلاد المختلفة بعيداً عن رمضان الخرطوم، ويتحرك تلك المساحة بعض الباعة المتجولين لاسيما بائعي الشاي والسجاير و(الموية).

هدوء وترقب
بعيداً عن الموقف تبدو شوارع الخرطوم هادئة وخالية من الحركة تماماً عدا حركة بعض الإثيوبيين والجنوبيين وسائقي التاكسي والأمجاد الذين يجوبون الشوارع في تمهل دون توقف بحثاً عن (مشوار)، فجميع المحال التجارية الكبيرة أبوابها مغلقة بجانب مقاعد بائعات الشاي الكرتونية، فيما يظل مشهد أكياس النفايات هو الأكثر انتشاراً وحضوراً، ففي كل زاوية ومساحة تعبرها، تجد كميات من مخلفات الكافتريات والمحال التجارية (مكومة) تتنظر عربة نفايات المحلية التي لا تجيء إلا قليلاً.

كساد الصحف
يشهد سوق صحف الخرطوم ركوداً بعكس الأيام الرسمية، بائع الصحف جنوبي مسجد الشيخ مصطفى الأمين يقول: تبدو (الجمعة) أقل توزيعاً من بقية الأيام. ويقول لـ (اليوم التالي): إن أغلبية قراء الصحف من الموظفين وبعض التجار لذلك تكون نسبة التوزيع أقل، ولم يخف أن هناك بعض القراء يحرصون على المجيء للسوق لشرائها ومطالعة ما تنقله من أخبار وقضايا. بالقرب منه سوق خاص تتوفر فيه مستلزمات شهر رمضان (تبلدي، قضيم، كركدي، عرديب) بجانب السكر والبن وبعض البهارات. وبحسب صاحبة المحل، فإن الأسعار تتسق ووضع المواطن الاقتصادي وليس هناك داعٍ للتخوف من ارتفاع الأسعار التي تتراوح عندها حسب التعبئة ما بين (20 إلى 50) جنيهاً للكيس الذي تعادل عبوته نصف ملوة. بجوارها يقدم لنا صاحب الأواني الدعوة لتفقد معرضه الذي توجد به معدات مطبخ وصينية رمضان. ورد عن سؤالنا الاستفساري عن الأسعار قائلاً: “أنا ما زي بقية الناس وسعري بختلف من سعر السوق ببيع بأقل ربح ممكن”.

راحة واستجمام
ويعد يوم (الجمعة) أيضاً يوماً للراحة والاستجمام بالنسبة للمشردين، ولاسيما أن الكثير من المواقع التي يرتادونها مغلقة، حيث تجدهم وقد تكتلوا في مجموعات داخل (برندات) المحال التجارية، وبعض منهم يستظلون في بنايات تحت التشييد، وآحرون منهم يتعابثون ويتبادلون (كيس) السلسيون ويتابعون حركة الماره بترقب، فيما يمضي العاملون بمؤسسة الهدف بمنطقة الخرطوم شرق يومهم دون مضايقات، فقد تلاحظهم يتجولون في موعد الأفطار ما بين محال (الفول) والكافتيريات، فبالنسبة لهم الجمعة يوم مميز تغيب فيه الحركة عن المؤسسات التي يحرسونها، فالشيخ موظف الهدف بـ (اليوم التالي) يستطيع أن ينام نهاراً دون ضوضاء أو إزعاج. توفيق سلطان هو الآخر تغيب حركته تماماً عن الصحيفة، فالأخير جزء أصيل من الصحيفة يعمل على توفير القهوة والشاي لمحرريها، كما يعمل على تلبية طلباتهم من خارج منطقة الصحيفة طوال أيام الأسبوع.

الخرطوم ـــ المقداد سليمان
صحيفة اليوم التالي

تعليق واحد