فطور الشارع والعصيدة!!..والآبري الأبيض اختفى من مائدة رمضان
في بيتنا الكبير بأمبدة بنفطر في الشارع قرب الكنتين، إخوتي وأولادهم، نفترش الأرض ونأكل الطعام، متنوع الأشكال ونشرب العصائر المتنوعة، وتظل العصيدة بملاح التقلية هي الطبق المفضل، كذلك ملاح النعيمية وشراب الآبري الأحمر البارد.
الآبري الأبيض اختفى من مائدة رمضان وأنا من أنصار ومحبي الآبري أبيض وأحمر.. طبعاً بليلة الكبكبي تشكل وجوداً ظاهراً في صينية رمضان، كذلك بليلة “لوبة عدس”، أفتقد بليلة الفريك.. طبعاً ناس الخرطوم المرتبطين بأصولهم في القرى النائية البعيدة التي تشتهر بالزراعة، لا بد أن يرسل لهم ذووهم بليلة الفريك وناس كردفان برسلوا العرديب والقونقليز، وهنالك صحن القراصة بالدمعة يصنعه أهلنا ناس الشمال، طبعاً صحن الفول المصري بزيت السمسم والشمار والملح والشطة، وحبذا لو أكلناه بالعيش البلدي، والشاي والقهوة، وطبعاً لو توفر صحن الرقاق باللبن على السحور يكون تمام.. ترى هل ما زالت الأسرة السودانية، الرجال على وجه التحديد يفضلون إفطار رمضان في الشارع؟ زمان الطعمية كانت تصنع في البيت.. هسه بنشتريها من صاحب صاج الطعمية!! ليه؟! والكسرة برضو بنشتريها من “ست الكسرة” وفي الغالب بتكون موجودة قرب المخبز الذي أصبح حديثاً تستورد آلياته من الخارج ويعمل بالغاز.. الأفران البلدية تلك التي وقودها الحطب تتناقص تدريجياً والعيش البلدي يا حليلو.. أذكر وأنا صغير كان عندنا فرن صغير في بيتنا نخبز فيهو العيش البلدي مرتين في الأسبوع.. البيض البلدي متوفر، في كم جدادة وكم ديك.. الليمون في كم شجرة ليمون وكم شجرة جوافة وفي دوراية مش ودوراية لبن مقنن وحظيرة فيها نعجتين وغنمايتين، وفي مطمورتين واحدة قمح والتانية ذرة، وفي مرحاكتين.. طبعاً البيت القديم بالدويم ما فيهو أي حاجة من الذكرتهم.
جينا المدينة.. وأهلنا الكبار رحلوا للدار الباقية.. يا ربي تقول هجرة الناس من الريف للمدينة ضيقت الحال والرزق؟! أم تخلينا عن نمط الحياة المتوارث من سالف الأزمان؟! هسه بناتنا ما بيعوسوا الكسرة ولا الآبري وبالتأكيد يمكن ما بيعرفوا المرحاكة.. هل قضت المدن الكبرى على نمط سلوك إنساني ورثناه منذ أمد بعيد وتوارى تدريجياً وحل مكانه نمط من سلوك جديد؟! أنا بقول الكارثة الكبرى هي تخلينا عن زراعة الأرض، والدليل أن قرى بأكملها هجرها الرجال القادرون على الزراعة وانخرطوا في مهن بالمدن التي هاجروا إليها من الأرياف، والقراب زي أهلنا بقرى النيل الأبيض هجروا قراهم ولم يعد يسكن فيها إلا كبار السن، يرسلون لهم المصاريف ويعودونهم في المواسم والأعياد والمناسبات الاجتماعية.. طبعاً لن أتحدث عن امتهان الشباب لمهن هامشية لأنهم يملأون الطرقات.
أنا أعرف (20) شاباً من أولاد بلدنا يسكنون منزلاً استأجروه ليناموا ليلهم فيه، وفيهم من أكمل دراسته الجامعية ولا يجد سوى تلك المهنة الهامشية.. إذن انقطع التسلسل المنطقي للمهنة، زمان الواحد يرث حرفة الزراعة أباً عن جد.. طيب البزرع الأرض منو؟! والناس تشكو سوء الحال في المعيشة!! ورمضان كريم.. ترى هل نجد هذا الكرم في الشقة المغلقة على ساكنيها؟! والله بيوت الجالوص فيها الرحمة والمربوع الكامل في الحي تربطه النفاجات.. ونحن صغار نشيل كورة فيها ملاح نعيمية نوديهو لي خالتي سعدية وترجع الكورة فيها لبن رايب أو ملاح تقلية!! طيب كركديه وعرديب وقضيم وليمون وقونقليز في عصاير زيهم.. كلها مشروبات خالية من الشوائب ولها فوائد صحية، كنا صغار بنصحي أهلنا للسحور بطرقنا على الصفائح وأحياناً نضرب الطبول.. ووين ولائم الرحمتات؟ ووين زكاة الفطر البتطلع للفقراء من أهل الحي؟ بالسر تذهب إليهم وفيها الدقيق والزيت والبصل والشرموط والسكر والشاي عشان الفقير دا ذاتوا يطلع بصينيتو في الشارع.. العمارات والله خرابات ويوماً بنينا فيهو العمارات أسود الأيام.. خلي الكهرباء أو الموية تقطع من شقتك وإنت في الدور الرابع في عز الصيف.. أعتقد أن الأمة التي تتخلى عن إرثها في مسكنها وملبسها وعاداتها وتقاليدها وسبل كسب عيشها أمة لن تتقدم إلى الأمام، وخايف يجينا يوم نستورد الطماطم والبصل ونسوانا ما يعرفوا يطبخوا ملاح النعيمية، لكن البحيرني أسمع شكوى الناس من المعيشة وبرضو نصوم رمضان زي الحلاوة.. الله قادر.. وتصوموا وتفطروا على خير.
التجانى حاج موسى : صحيفة المجهر السياسي
نعم رمضان كريم شهر خير وبركه
لكن مع ظروف الحياة وعناه المعيشه والمباصره من اجلها جعلت الانسان السوداني يختفي حتى من نفسه خلف الجدران نعم لا الابري ابيض لافطور في شارع اين الماء للطبخ قاطعه اين الكهرباء حتى يرتاحن امهاتنا طول النهار لكي ياتي وقت الافطار وهن في تمام الجاهزيه لترتيب المائده الرمضانيه ورتفاع السلع سبب في اختفاء الابري الابيض وحتى الاحمر المتواجد بنسبه ضئله