لبنى عثمان

سيمفونية الحزن


اعتدت أن يدق الحزن أبواب حياتي مع اطلالة كل رمضان ..يخنق أنفاسي ويحجب عن عيني النور.. لا زلت أذرف دموعي.. ألم يعصر آهاتي.. وجع فاق التصور يستبيح مشاعري بلذة وجع لا يحتمله الورق.. يطرق قيثارة الجرح.. ويعزف على أوتاري سيمفونية (الموت)..
* فكل ذكر له.. يعيدني إلى السطر الأول من قصة رحيلك وبدء معاناتي.. وصفعة الأيام على وجنة قلبي.. يذكرني بالجرعة الأولى من الحزن على يد الدهر..
* كلما جاء للموت ذكر أمامي.. كلما مات شخص.. يذكرني بك.. ويحييك أنت الميت بكل تفاصيلك أمامي.. وكأن تلك الأيام كتاب تُقلب صفحاته أمامَ عيني..
* كل ذكر للموت.. تهتز له أضلعي.. وترتعش له أطرافي وكأن شبح الحزن عليك يستيقظُ من غفوته فيّ عند كل ذكرٍ للموت. يوقظ في آذاني صوت بكائي ورنين صرختي في تلك الليلة عليك.. ومنظر وجه أختي الصغرى وهي تحاول أن تستوعب معنى الخبر وتفسير معناه في جميع قواميسِ العقل.. عبثا تقاوم السقوط حزنا… تخطو.. فتقع هربا من واقعٍ لا طاقة بها على استيعابهِ..
* كل ذكر للموت.. يذكرني بوجه جدتي وهي تبحث عنك باكية.. بكل تفاصيل وجهها وقد ارتسمت عليه كل مراحل حياتك.. وكيف أن الذاكرة قد غادرتها برحيك..
عند كل ذكرٍ للموت.. يعيد لذاكرتي صورة عقلي وهو ينهار كالجبلِ من هولِ الفجيعة.. وهو يتساءل: هل مات؟
لا، لم يمت !
* كل ذكر للموت.. يذكرني بمنظر الكم الهائل من الناس.. والحزن يتشح وجوههم سواداً.. يذكرني باحمرار جفونهم وهم يصرخون ويبكون مرددين اسمك وصفاتكَ وطِيب خصالك، وكلهم يتساءلون ويتهامسون بأحاديثهم.. كيف لي قدرة أن أستجمع نفسي بعد نبأ رحيلك العظيم..؟
* كل ذكرٍ للموت.. يذكرني بكل الأيام التي مرت عليّ بعد رحيلك.. وكم كبرت.. وكم شخت على محطاتٍ لم تكن أنت فيها..
* كل ذكر للموت.. يذكرني بأن كل فرحٍ مرَّ عليّ كان باهتاً.. وكل ألمٍ وحزنٍ اعتراني لم تقاسمني فيه أحضانك..
* كل ذكر للموت.. يذكرني بذهول كل من يطرق الباب يسأل عنك بعد رحيلك.. فيتكئُ على الباب باكياً.. ودهشة من يتصل بهاتفك فيفاجأ بخبر رحيلك..
* كل ذكر للموت.. يجعلني أغمض عينيّ وأضعُ يدي على صدري أتحسس طعنة الحزن بين أضلعي..
* كل ذكر لذلك الشبح يأتي بكَ (يا أبي) أمامي وكأنك لم تغادر إلا البارحة.. لا أستطيع مناجاتك.. ولا أستطيع اللجوء إلى أحضانك التي كنت أرتمي فيها عند كل حزن يغشاني وكل فرحٍ يغمرني.. كل ذكر لذلك المارد.. يملؤني بالألم ويعتصر ذاتي حين تسلل إلى ذلك البيت الآمن معلناً موت الفرح.. ورحيل الأمان برحيلك.
* بقايا الجرعة
جف الحبر.. كما جفت الدموع في المآقي.. انسحبت الكلمات في ذاكرتي.. وأخذت كل كلمة تدفع أختها لتخرج قبلها.. وكأنها تسوقها إلى أمرٍ تكرهه..
(أفتقدك أبي)!!