هنا «حارة الصوفى»: رائحة «الخُمرة» السودانية تفوح فى وسط القاهرة
بالقُرب من ميدان الأوبرا ، يُمكنك أن تتعرف على رائحة «الخُمرة» السودانية تفوح من إحدى الزوايا التى تطل على الميدان مباشرةً، 10 خطوات هى المسافة التى تفصل بين ميدان الأوبرا وحارة «الصوفى»، مهد حياة السودانيين فى القاهرة.
وجوهٌ سمراء تحتل مُربع سودانى الطابع، ففى مقدمة الحارة تجد إحدى شركات السياحة تضع إعلانًا يقول: «نُقدم لك الرحلات والسفريات القاهرة- حلفا- الخرطوم»، و3 مقاه تقدم المشروبات السودانية، أما فى منتصف الحارة، يوجد مطعم «السودان » الذى تنبعث منهُ رائحة الطعام المُتبل بتوابل جاءت خصيصًا من الجنوب، مُنذ أسسه صاحبُه مع بداية عام 1986، وفى باقى أرجاء الحارة ينتشر الباعة رافعين لافتة: «هُنا سودان آخر».
وفى ليالى رمضان، تتحوّل حارة «الصوفى» إلى رمضان بنكهة «سودانية» خالصة داخل زوايا القاهرة، تبدأ مظاهر رمضان السودانى فى الحارة من مطعم «السودان»، والذى أسسه عم صالح، لاجئ سودانى جاء إلى القاهرة بصحبة زوجته جميلة، فى بدايات الألفية. رافعًا شعار: «مطعم السودان لأشهى الأكلات السودانية».
وعلى عتبة المطعم الذى يشبه سردابًا يصل بك إلى قلب السودان، يقف محمد شحاتة، 30 سنة، وهو أحد المصريين الذين يعملون فى المطعم مُنذ 8 سنوات، جاء من جنوب مصر خصيصًا ليعمل بالمطعم السودانى، مثلما يفعل جميع أبناء عائلتُه الذين شدّوا الرحال إلى القاهرة فى الثمانينيات، وعملوا فى مطعم «الخرطوم» بدرب المهابيل، وهو أول المطاعم السودانية التى تم تأسيسها فى القاهرة.
ويشرح لنا شحاتة قائمة الطعام السودانى التى يُقدمها المطعم، قائلاً: «الأكلات اللى بتتعمل كُلها بطريقة سودانية، الأكل السودانى مسبّك والبهارات فيه عالية جدًا»، مُشيرًا إلى الطعام من حولِه: «أشهر الأكلات البلدى، لازم تبقى موجودة على السفرة، حتى لو فيه لحمة أو سمك، وده عبارة عن كِسرة زى العيش، وده بيتاكل بالبامية والويكة والملوخية».
وفى أيام شهر رمضان، تختلف استعدادات مطعم «السودان» عمّا يقدمه فى الأيام العادية، ليفتح أبوابة مع دقات الثانية عشرة ظهرًا، ويستقبل الزبائن المصريين والسودانيين، بدلاً من السادسة صباحًا فى باقى شهور السنة، كما يقول شحاتة: «فى رمضان بنفتح متأخر، ونحضّر للأكل والشغل للسودانى والمصرى الصائم، ونفرش برا الموائد».
«رمضان هنا فى الحارة سودانى، الناس بيحسوا إن إحنا فى الخرطوم مش مصر»، يقولها «شحاتة» مُبتسمًا وكأنه أحد السودانيين الذين قدموا إلى مصر مؤخرًا، فهو يحضر الطعام يوميًا للجالية السودانية فى مصر بحُبٍ شديد، يحفظ الأكلات عن ظهر قلب، وتحديدًا فى رمضان، يتلو عليكَ قائمة الإفطار الرمضانية كما يفضلها أبناء الجنوب، قائلاً: «أهم حاجة يبقى فى (عصيدة- أكلة سودانية) على الفطار، ومشروبات زى (عرديب) ومشروب (الحلو المُر) شبه العرقسوس المصرى».
«ياخى ناكُل مع بعض»، جملةٌ يختصر بها «شحاتة» عادات الشعب السودانى فى رمضان، وهو يحضّر الموائد التى سيفطر عليها المصريون والسودانيون سويًا، شارحًا ذلك بـ: «السودانى بيحب الأكل الجماعى، يعنى ييجى وقت الفطار بدل ما ياكُل لوحده، يعزم اللى قاعدين حواليه».
وفى مُقابل مطعم «السودان»، يجلِس نادر، 45 سنة، أمام «فاترينة» لبيع المُنتجات السودانية طوال شهور العام، مُنذ أن جاء من حلفا إلى القاهرة، ولكن يختلف الحال فى رمضان، حيثُ تظهر منتجات رمضان سودانية «النكهة»: «بنبيع مشروب (الحلو المُر)، وده مشروب سودانى مشهور، بيتعمل من الذرة والبُهارات، ويُحلى بسكر، ويبقى زى التمر الهندى»، مؤكدًا على أصالة المنتجات بـ«دى من أشجار حلفا العتيقة».
يقطع كلمات «نادر»، زبون جاء مُتعجلاً ليبحث عن نوع سجائر سودانى، يُسمى «البرنجى»، ثُم يسأل عن بُن سودانى، فيقدم «نادر» نوعًا مفتخرًا، كما يصف ضاحكًا، فيباغته الزبون متسائلاً: «ده مصرى ولا سودانى»، يرد «نادر» دون تفكير: «سودانى طبعًا»، فيبتسم الزبون ويدفع بضع جُنيهات مقابل البُن وينصرف، فيما يقول «نادر» بنبرة لا تخلو من الفخر: «الزبون بيجى عاوز حاجة من ريحة السودان، حتى ريحة البن بتختلف».
وبجانب «نادر»، يجلس صديقُه السودانى، «وليد»، 47 سنة، قائلاً: «أنا باجى القاهرة من سنة 1986»، ليحكى لنا عن ضرورة حضوره إلى حارة «الصوفى» فى رمضان قائلاً: «أنا باجى مخصوص أقضى الـ10 أيام الأوائل فى مصر، رمضان حلو والجو بارد عكس السودان».
ويُضيف «وليد» ضاحكًا: «بحب الليل المصرى، والعادات، قعدة القهاوى، أكل الفطير، واللمة فى الحُسين، حتى البُمب بتاع العيال ده بحبه»، ثم ينشغل «وليد» مع صديقه «نادر» فى حديثِ طويل باللهجة السودانية، إلى أنّ يتذكرا «السحور السودانى» الذى يتضمن فولاً يطهى على الطريقة السودانية، كما يشرح «وليد»: «إحنا نحب الفول على الجبنة والسلطة والبُهارات».
«مبشعرش بالغُربة، لأنى بفطر هنا وسط أبناء الجالية، وبناكل أكل سودانى»، يقولها «نادر» مُشيرًا إلى عدم ضرورة الحديث عن الذكريات، ففى حارة «الصوفى» لا مكان للشعور بالغُربة، فالكُل يأكل سويًا عندّما ينطلق مدفع الفطار، السودانيون يلتحمون مع المصريين دون تمييز فيما تحضر المأكولات والمشروبات السودانية طازجة وشهية.
وعلى بعد أمتار قليلة، وتحديدًا عند قهوة «جمعة»، تقف «فتحية»، أُم ثلاثينية، ببشرة سمراء لا تخلو من الحُمرة، أمام مطعم سودانى متواضع، ورغم إن الابتسامة تعلو وجهها، لم تخل عيناها من مسحة حُزن، تُقدر بآلاف الكيلو مترات، حملتها من «دارفور» الساخنة إلى القاهرة، بحثًا عن مأوى ووطن بديل.
«أنا بقالى 6 شهور فى القاهرة، جيت أنا وأسرتى بحثًا عن الأمان فى مصر»، تقولها «فتحية»، والتى كانت تعمل فى السودان طبّاخة فى مطمع تمتلكه هى وأسرتها، وبعد اشتعال الأحداث فى «دارفور»، وموت زوجها، حملت «فتحية» أولادها وإخوتها ووالدتها، وجاءت هاربة إلى القاهرة، بحملٍ لا يقدر عليه سوى الرجال: «أنا الأُم بدير 7 أفراد، أمى وأخواتى وأولادى».
«مش حاسة هنا بغربة، حاسة إنى بين ناسى، رغم إنى أول سنة أصوم هنا»، هكذا تعبر «فتحية» عن إحساسها برمضان فى مصر، وهى تطهو الأكلات السودانية داخل المطعم الذى تعمل بهِ فى مصر، وهو مطعم يمتلكه أحد أقاربها من السودان، ويبقى هادئًا طوال العام، فيما يزيد النشاط خلال الشهر الكريم: « كُل شىء سودانى بنعمله على الفطار، الكِسرة والعصيدة والويكة».
تسير «فتحية» بخطوات رشيقة خارج المطعم، الذى طُبعت على جُدرانه صور لنجوم الغناء السودانى، وعبارات تهنئة بشهر رمضان الكريم، ألقت التحية على زُملائها فى المطعم من أبناء الجالية السودانية، حيثُ تتقاسم معهم «العيش والملح» وأوجاع الوطن مع أذان المغرب كُل يوم فى رمضان.
ومع دقات السابعة مساءً، وانسحاب خيوط الشمس، تتحول حارة «الصوفى» إلى سُفرة كبيرة، يحتلها أبناء السودان بمشاركة المصريين، تذوب الملامح حتى إنك لا تكاد تُفرق بين الجنسيات، تٌقدم المطاعم السودانية الوجبات طازجة، حيثُ تفوح رائحة التوابل الجنوبية.
وبعد انتهاء الإفطار جلس الجميع أمام شاشات التليفزيون، يتابعون مباراة كُرة قدم، فيما أصرّ كاسيت أحد المقاهى السودانية أنّ يُردد بصوت خافت أغنية، محمد وردى، والتى أهداها إلى أبناء وطنه فى حفلة نادرة، مُرددًا إلى كُل أخواتنا وأولادنا خارج السودان، بيحب وطنه ومُتلهف للعودة: «يا بلدى يا حبّوب، أبوجلابية وتوب، يا سمح يا زين، يا وجه مليان غُنا، مليان عشق وحنين».
المصري اليوم
ناسف ونتالم من اجل اي انسان اجبر علي الرحيل من هذا الوطن ومهما تكون العيشة في الخارج فهي مخلوطةبطعم الالم وما اصعب ان تشعر بانك ليس في وسطك وليس في عالمك وانك تختلف عن من حولك وان العيون ترصدك والاراء تحوم حولك نتمنى عودا حميدا لكل من هاجر وحمل جراح الوطن وعذاب الغربة في قلبه
هربت من دارفور إلى مصر عبر كل السودان الآمن؟
اكل عيش يا عم
دى هى الاحناك البيطلبو بيها لجؤ
وش الحلو المُر هذا
دا انتو حياتكم مر في مر
مافيها حلو ابدا
فلاتكذبوا علينا خسئتم
انتو يا ناس تانقو واحمد وعبدالله وعبدالرحمن شكلكم من الهامشين الذين ماتت قيمهم واجهضت فى مهدها ….فى زول فى الدنيا دى بيفتش للشقى بيخلى بلدو ووطنو وارضو …..شوف قبائل الشمال لازال فيهم خير لاولادهم فى مكافحة الشغب ولا نظام عام ولا غيره من قوات غير نظامية ….اتقو الله وتراحمو فيما بينكم واجلسو الى كلمة سوا …..انا لا انكر ان هنالك تهميش وفقر ومرض لكن هو بسبب ابنائكم ابنائكم فاسدون حتى عندما دخلو الى جنوبنا الحبيب ……ويتقلتلون عند الموائد عندما حصل فى فندق السلام عفرا ….اما المدعوة عفاف تاور يفترض ان تصلب فى شارع عام ….لانها تاكل حقوق اليتامى وتفجر امهاتهم
لا انجلينا نحن ما من الهامشين ولا ماتت قيمنا ولا اجهضت ونحن من قبائل الشمال( نقولها للتعارف وتحديد المنطقة لا استعلاء ولا تميزعن الاخرين) ولكن قلوبنا تحمل الحب والشوق لكل ابناء هذا الوطن العزيز لا نفرق بين غربه ولا شرقه ولا شماله ولا جنوبه كله في قلوبنا يحي مع كل نبض ودقة قلب