أبشر الماحي الصائم

لم يعد الصمت ممكناً


* انتهيت منذ نحو فترة مبكرة إلى قناعة، بأن نسختنا التي نحن عليها من الحكم لم تكن إلا (نسخة قانونية).. أعني نسخة ذات نزوع قانوني. على أن ذلك النزوع بطبيعة الحال ناتج عن كون عرابها وصناعها ينتمون إلى (مدرسة القانون) وليس الاقتصاد.. فعلى الأقل إن الشيخ المؤسس الفقيد الدكتور حسن الترابي، هو خبير دستوري وقانوني ضليع، فضلاً عن القاضي والمحامي علي عثمان محمد طه خريج ذات الكلية القانونية بجامعة الخرطوم، وآخرون من دونهما ينتمون إلى المدرسة القانونية، وعملياً يمكن أن تلاحظوا أن النزعة القانونية في الحكم هي الثقافة السائدة، فلهذا وذاك فنحن نخرج من مشروع دستور وقانون ولوائح وانتخابات وبرلمانات، إلى إعادة ترشيحات وإعداد مشروع قانون الانتخابات والتشريعات.
* وخطورة هذا الأمر يكمن في أن الانشغال بالحالة القانونية انسحب بطبيعة الحال على كل مستويات الحكم، بحيث لا هم ولا شغل أضحى يعلو على الهم (القانوني الدستوري).. وأنا أنشط ذاكرتي، إن كان من ضمن المحاضرات والندوات الكثيفة التي ألقاها الدكتور الراحل الترابي خلال مسيرته ومسايرتنا، إن كانت هناك ندوات ذات رؤى وهموم اقتصادية، فلا تسعفن الذاكرة بأطروحة اقتصادية واحدة، ولا ذنب للشيخ الراحل المؤسس يومئذٍ سوى أنه خبير دستوري متميز، على أن (النسخة الإسلامية) التي عكف عليها، جزاه الله خيراً وجعلها له دخراً، هي نسخة تفتأ ترسخ لترسيم المسيرة القانونية الشرعية ومجابهة تحدياتها .
* حتى انتبهنا.. ذات مصاعب حياتية معيشية.. إلى أن الأصل في دولة الإسلام هو (الكسرة والعجين).. هذا هو المحك الجماهيري. فدولة الإسلام في الذاكرة الشعبية هي التي تؤمن الجماهير من الخوف وتطعمهم من الجوع.
* ولو أن (شغل الإسلاميين الشاغل) كان هو مشروعات الجزيرة والرهد وتوطين القمح والإنتاج الزراعي.. لحققوا فيه نجاحات مقدرة جداً جداً.. كما فعلوا مع النفط.. ولكن لسوء حظنا ليس هذا هو مضمار سباقهم.. فنسخة الحكم التي نحن عليها قانونية وليست اقتصادية إنتاجية.
* نجحت ثورات عديدة حول العالم وعبر التاريخ، لأنها نهضت من أول يوم وسط حقول الإنتاج وورش العمل وحواشات الزراع والصناع.. الثورة الصينية نموذجاً!!
* ربما يكتشف الجيل اللاحق من الإسلاميين ويستدرك أن دولة الإسلام تبني أولا وتترعرع في المزارع والحقول، فلا يعقل أن دولة الشريعة تطعم من القمح الكندي والأمريكي.
* ربما تكون الفرصة الأخيرة الآن أمام ما بقي من دورة الرئيس البشير، أن يجمد كل شيء، المهرجانات والاحتفالات السياحية والتجمعات حتى مشروع الدستور والقوانين والتعديلات، لينزل بنا إلى مكامن الإنتاج ويخصص كل الميزانيات والمنح والإعانات والاجتهادات لمشاريع الإنتاج الحيواني والحواشات و.. و..
* هذا.. أو في ظل هذه الغفلة واللامبالاة التي ينتهجها (طلاب القانون)!! أننا نستيقظ ذات يوم حزين على وقع نبأ بلوغ سعر صرف الدولار عشرين جنيها.. وتلك فرصة لعمري ينتظرها (الثوار) والمناضلون خلف الأحراش.. وينتظرها آخرون من وراء البحار إلى (صناعة ثورة خلاقة) تذهب (بالسودان القديم) إلى ذاكرة التأريخ.. فما لم يتأت لهم عبر البندقية أو الثورة الشعبية، أو الحصار والمحكمة الجنائية.. يمكن أن يتأتى عبر اللامبالاة الاقتصادية.
* سيدي الرئيس.. فلتكن هذه معركتكم الأخيرة ونحن معكم.. بأقلامنا وطوارينا ومحاريثنا وقضارفنا ورهدنا وكنانتنا وجزيرتنا وشمالنا وقمحنا.. والله ولي التوفيق .