بعد 18 عاماً من التمريض.. “سامحني يا ربي اليوم آخر ليلة”!
لا شك أنها من أصعب المهن في العالم تلك التي تحمل أوجاع المرضى وهمومهم، تقضي معهم الليالي الطوال، تمسح جراحهم وأوجاعهم ببسمة أمل ودرهم وقاية وقنطار علاج وعناية شفاء ربانية تختزن كل خيرٍ وجمال إلهي نقي على سفح إنسانية تقدم إشراقةً لغدٍ ربما يحمل الأفضل هي التمريض، التي تغدو أكثر من مهنة، بل تصل إلى رسالة نقية تعبر عن الوجدان الإنساني بأجمل صوره.
هي سيدة من سيدات “مهنة الخير” باتت في خريف وظيفتها، تطلق العنان لما خبأ في الصدر أعواماً، تتجه رويداً نحو التخلي عن وظيفتها بعد سنوات طوال قضتها في مساعدة المرضى. ميرنا خليل، ممرضة مجازة في إحدى المستشفيات، تلك السيدة التي ما برحت تغادر مهنتها والدموع تجول بين الوجنتين، علها تجد طريقها إلى النور، كما أوجدت، هي ورفيقاتها النور لمرضى كثر، بعون الله وبركته.
بعد 18 عاماً، تغادر “ميرنا” المهنة التي أحبت، أطلقت العنان لما يختزن داخل القلب والروح عبر بوست عبر صفحتها الفايسبوكية قالت فيه بكلامٍ فيه ما فيه من الوجدان: “سامحني يا ربي مش قادرة كمل الرسالة، اليوم آخر ليلة شغل من بعد 18 سنة تمريض، كل ليلة كنت إحمل وجع المرضى وخبيهون بقلبي لسنين طويلة حتى وصلت لوقت تعبوني، أوجاعن صارت بجسمي، وهمومهن وأصواتن بقلبي وعقلي، حتى صار الحمل تقيل كتير عليي، أكبر من أني إتحملوا”.
ما رح إنسى أصعب ليلة مرقت فيها، كان في سرّ بيني وبينك يا ربي كرمال تمرق الليلة بسرعة، كنت صلّب ايدي ع وجّي وقلك “يا ربي رح قدملك تعبي بهليلة”، وليالي كتير مرقت أصعب وأصعب، كنت حس إنك عم بتجرّبني وتختبر صبري بهل مهنة الإنسانية الصعبة، ما بنكر إنو هل مهنة عملت مني إنسانة ثانية، إنسانة بتحس بغيره وبوجعن، حتى وصلت إني إنسى حالي كرمال خفّف عن غيري، ما بنكر إنو هل مهنة علّمتني المعنى الحقيقي للحياة، وخلتني أعرف قيمة الصحة والأهل والعائلة وأهم شي خلتني كون قريبة منك يا ربي، أكيد رح إشتاق كتير لبسمة المرضى ولدموعن ولوجعن ولهمومن، رح تبقى أصواتن وأوجاعن بقلبي طول عمري، بس اليوم إجا الوقت يا ربي سلمك هل حمل يلّي صار أكبر مني، إجا الوقت البدلة البيضة المليانة دموع ووجع سلمك ياها الليلة، بطلب منك يا ربي قدام الكل، إذا أنا كنت طول هل سنين ع قد المسؤولية، تمسك بإيدي وترافقني بهل الطريق الجديد يلي خترتوا، بطلب منك تفتحا بوجي وتكون نور لدربي، اليوم رح تكون أصعب وأجمل ليلة بحياتي، رح جرّب إشبع من كل مريض، رح ودّع بيتي التاني يلّي قضيت في أكتر من نص عمري”.
ميرنا، هي نموذج لكثر وكثيرات إختاروا هذا الطريق واهبين أنفسهم من أجل مساعدة غيرهم منطلقين من حقيقة إنسانية متجذرة، هي أن الإنسان إنسان مهما إختلف شكله او إنتماؤه أو إيمانه.. فلهؤلاء ألف تحية من اشخاص ربما يصبحون يوم بين أيديهم مطمئنين أن هناك من سيعتني بهم، ربما أكثر من عائلاتهم.
بوابة القاهرة