سيدي عبدالله
> .. ما يصيب عساكر الشرطة بالجنون كان هو أن الوقت كان هو منتصف نهار رمضان ـ وأن القاضي الذي اعتقلوه ـ كان منغمساً في الزنا في نهار رمضان.
>.. ومولانا عبدالله احمد عبدالله قاضي الخرطوم يومئذ ينظر الى القاضي المعتقل ملتفاً في (ملاءة) وإلى المرأة ـ ثم يأمر الشرطة بالانصراف.
> و .. بأصبع سريع القاضي عبدالله احمد عبدالله يكتب شيئاً ثم يقول للقاضي المعتقل في همس
: وقع
> والقاضي يوقع.. ويخرج.
> كان هذا منذ سنوات.. بعدها القاضي الذي يهاجر حين يهبط مطار الخرطوم يقصد مكتب عبدالله ـ يكاد يقبل يديه ورأسه ـ
> وجبينه المضئ يقول
: مولانا عبدالله.. انقذت دنياي وآخرتي
(2)
> وعبدالله احمد عبدالله يصبح رئيساً للمحكمة الدستورية.
> وحين يعلم يوماً أن الشرطة تعد مجموعة قتالية لاعتقال قاتل في قرية قريبة.. وانه يستعد للقتال.. يجعل ضابط الداخلية يجلس.
> ثم يجعل سائق عربته (الرئاسية) وحرسه يذهب الى منزل القاتل ـ وأن يتعمد سؤال أهل الحي عن منزله وهو يقود العربة الرئاسية وأن يتعمد أخبار أهل الحي أن الرجل يدعوه رئيس المحكمة الدستورية.. يدعوه!
>.. وأهل الحي يجتمعون أمام منزل القاتل ـ والقاتل يخرج مزهواً وهو يعيد قراءة (خطاب رئيس المحكمة الدستورية الذي يدعوه ويرسل له عربته الرئاسية).
> المجرم ـ في مكتب القاضي عبدالله يجلس بهدوء ـ وحين يطلب منه عبدالله أن يذهب مع ضابط الداخلية ـ يذهب بهدوء.. وهو يعلم أنه يذهب الى الإعدام.
(3)
> ومسيرة عنصرية غاضبة عام 2003م تتجه الى القصر ـ ومصادفة يعبر بها عبدالله ـ وهناك يجد الشرطة وأحد القضاة أمامها يرفع يده ليأمر الشرطة باطلاق النار.
> عبدالله يقدم نفسه للقاضي ثم يخاطب المسيرة الغاضبة ويطلب عشرة منهم.
> ويطلب اليهم (ألا تتفرقوا حتى يعود اليكم العشرة هؤلاء).
> وفي مكتبه يحدث العشرة ـ ويحدثهم بعد افطار رائع ـ وبعد استماع رائع لحديثهم.
> القاضي عبدالله في الأنس الطويل معه يقول لنا
: لم يكن عندي شيء ـ لكنني كنت أعرف أن من تبدي له الاحترام ـ لا يقاتل ـ وإطالة الحديث تذهب الغضب ومن يذهب غضبه لا يطلق النار.
(4)
> قبل ست سنوات نتلقي هاتفاً ودعوة من رئيس المحكمة الدستورية الذي لم نكن نعرف.. وهناك نجد رجلاً نحيلاً شديد الأناقة.
> وفي الحديث نجد رجلاً يحمل ثقافة هائلة ـ ممتدة.
> بعدها نهبط عنده خمسة أيام في الاسبوع لنجده يوماً يستمع مستغرقاً لامرأة في الخمسين ـ تثرثر كأنها تمضغع قشور البصل ـ بعد انصرافها يقول بابتسامة صغيرة
: دي من أهلنا في الشمالية.
> ونجده يوماً يستمع مستغرقاً لكبار قادة المجتمع والدولة ـ ويعجبنا أنهم كلهم يجلسون أمامه ـ صغاراً .. صغاراً.
> ونشعر بالقلق وهو يصدر احكاماً لصالح الخصم ضد الدولة.
> ودعوى نرفعها ضد الدولة.. نلتفت اليها أثناء الأنس ـ لنجده يجيب بالحديث عن ثلوج ايرلندا ـ ونعود الى الحديث عن الدعوة لنجده يحدث عن تفسيرالنسفي.
> ونفهم أنه لا يريد الحديث عن قضية في المحكمة مع طرف من أطرافها.
> .. والطرب يجعلنا نتخابث ـ
> ومن الأنس نعرج على المال ـ
> ونكتم الضحك ـ وهو ـ في الحال يطلق الحديث عن طرقات لندن.
> والطرب والتخابث أشياء تجعلنا (نجيب) سيرة أحدهم.. في شيء من الغيبة.
> ونكتم الضحك ـ وهو تماماً كما نتوقع ـ يطير بالحديث الى مخارج اللغة ـ عند اجتهادات أبي يوسف.
> .. ونسأله عن فلسفة القانون/ ونحن نعرف أن مكتبته احتاجت الى خمسة رجال يعملون أسبوعاً لنقلها.
> وبدلاً من من أن يستعيد ذهنه المجلدات يحدثنا عن
> أيام أبو رنات ـ قاض في الجنوب يحكم على أمين خزينة الوزارة المختلس ـ بالإعدام.
> وأسرة المختلس المصعوقة تطير الى محمد أحمد محجوب المحامي يومئذ.
> والمحجوب ينطلقا الى أبو رنات رئيس القضاة ـ يسأل
: ما هذا
> وأبو رنات يرفع الهاتف وأغرب محادثة تجري
: أبو رنات يسأل القاضي في الجنوب ليقول
: الحكم دا.. تقصد اللي بالي بالك..؟
القاضي في الجنوب يقول في الهاتف
: نعم
انتهت المحادثة.
> في يومين لم يبق مختلس في السودان إلا جاء يجري الى أقرب محكمة يحمل الأموال ويتوسل للقضاة ليقبلوها ويقبلوا توبته.
> كان هذا هو ما يريده قاضي الجنوب، وما فهمه أبو رنات.
> بالحكاية ـ مولانا عبدالله كان يجيب على سؤالنا عن فلسفة القانون.
> مولانا عبدالله احمد عبدالله.. دفناه أمس.