يوسف عبد المنان

“علي عثمان” يتحدث!!


في الإرث الأوروبي وفي خضم وعنفوان وشباب الثورات الأوروبية كانت مقاصل الإعدام تنصب للمخالفين للرأي.. وما أمر من أن تأكل الثورات بنيها كما تأكل النار العشب الجاف.. حينما حكم في فرنسا على “دانتون” بقطع الرأس وقف “دانتون” أمام الجزار الذي كان ممسكاً بآلة قطع الرأس، قال له أيها الجلاد بعد قطع رأسي أرجوك أرفعه عالياً حتى يراه الناس لأن هذا الرأس جدير بالنظر إليه.. وفي الإرث السوداني قيل إن “هاشم العطا” والعهدة على الرواة حينما حكم عليه بالإعدام خاطب الجلادين بالقول أنظروا كيف يموت الرجال!! وإذا كانت عقوبة الإعدام وجز الأعناق في العالم العربي والإسلامي والأفريقي متجذرة منذ أمدٍ بعيد، فإن أوروبا غرقت من قبل في الدم وتم قص رؤوس كثيرة بتهم تبدأ بخيانة الثورات ولا تنتهي عند تهديد مستقبل الأمة.. ولكن الأوروبيين اليوم يكفرون عن سيئات تاريخهم بإلغاء عقوبة الإعدام في القانون الجنائي.. بل ويطالبون الآخرين أيضاً بإلغاء تلك العقوبة بزعم أنها تتناقض ومبادئ حقوق الإنسان، بيد أن الإعدام المعنوي والاغتيال السياسي الذي عرفه “محمد شحرور” أحد مفكري اليسار المغاربي، بأنه الإلغاء من مستوى الفعل!! وحينما يجلس السياسي في بيته ويصبح يجتر ذكريات الأمس مع أحفاده والقلة من الأوفياء الذين يترددون عليه في وحشته، فإن ذلك بمثابة إلغاء لوجود السياسي.. على مستوى الفعل!! الأوروبيون والغربيون بصفة عامة يلجأون لتأسيس المنظمات الطوعية الإنسانية داخل حدود بلدانهم أو عابرة للقارات مثل حال الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر”.
الأستاذ الشيخ “علي عثمان محمد طه” حينما اهتم بقضايا وشرائح اجتماعية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحدث إليهم عن أولوياته في مقبل الأيام التي لا تتعدى شؤون هؤلاء.. قالت الصحافة إن “علي عثمان” قد اعتزل الشأن السياسي.. وفي هذا النبأ المفزع للبعض والمفرح للآخر وأثار جدلاً لم ينتهِ بعد حتى تحدث “علي عثمان” أمس للزميلة (السوداني) وبدا حديثه أكثر نزوعاً لتبرير بعض الأقوال وتشريح قليل من الأفعال.. بذات تماسك لغته الغارقة في الرمزية، قال “علي عثمان” بلسانه المبين إن وجوده في الساحة من خلال مواقعه التي يتسنمها في الحزب كعضو في المكتب القيادي.. ولم يتحدث “علي عثمان” عن الفريضة الغائبة في الساحة وهي شهادته للتاريخ حول قضية هامة جداً تتفاعل تداعياتها يوماً بعد الآخر.. ألا وهي قضية الحرب والسلام التي انتهت باتفاقية نيفاشا 2005.. في ذات اليوم الذي تحدث فيه “علي عثمان” عن كل شيء إلا الفريضة الغائبة.. كانت “هيلدا جونسون” سفيرة الأمم المتحدة السابقة بجنوب السودان وأحد الشخصيات الفاعلة جداً في المفاوضات التي كان أقطابها “علي عثمان” و”جون قرنق”، تفرج عن أسرار رحلتها في الأرض السمراء بصدور كتابها الثاني عن تعثر ميلاد الدولة الفاشلة، بعد كتابها الأول قصة اندلاع السلام في السودان.
المنتظر من “علي عثمان محمد طه” النائب الأول السابق أن يقول شهادته للتاريخ عن ذلك الحدث الذي زلزل الدنيا ورج البلاد رجاً.. وما بين الشهادة للتاريخ وكتابة السيرة الذاتية فوارق شتى ومسافات بعيدة، إذا قال “علي عثمان محمد طه” أي شيء في الاقتصاد والسياسة والحوار الوطني ومستقبل التجربة الديمقراطية في السودان، لن يضيف شيئاً لما هو يدور في الساحة من (عك) و(لت)، ولكن إذا تحدث “علي عثمان” عن تجربة مفاوضات السلام.. فإن العالم بأسره سيصغي إليه لا ليصدق ما يقول.. ولكن لأنها أول شهادة من شخص صنع حدثاً بعد أن غيب الموت الطرف الثاني، فمتى يتحدث الشيخ “علي عثمان محمد طه” للتاريخ؟!


تعليق واحد

  1. أول مرة في حياتك تكتب حاجة فيها فايدة , و لا أعفيك من سؤ النية فيما كتبت !!.