الذاهبون إلى «الجنّة» دون أوراق ثبوتيّة (2)
لماذا انتظار الآخرة لدخول الجنّة، إن كان بإمكانهم بلوغها في بضع ساعات على ظهر مركب؟
تشكّلت طوائف انتحاريّة من أحفاد طارق بن زياد، الذي أحرق خلفه المراكب، حتى لا يترك لجنده إلا احتمال الوصول منتصرين. «الحرّاقة» ألغوا أي احتمال للرجوع، بإحراقهم جوازات سفرهم، وأوراقهم الثبوتيّة، حتى لا يتركوا لحرّاس الشواطئ على الضفّة الأخرى، إمكانيّة طردهم من «الجنّة» إن هم وصلوها أحياء. فسيكون ضرباً من فك الفوازير، أن يتعرّف بوليس الهجرة على أصول هؤلاء القادمين من بوّابة البحر الواسعة،كي يتمكّن من إعادتهم إلى بلدهم الأصلي. أمّا إن غرقوا، فلن يدقّق البحر في هويّاتهم، ستتكفّل الأمواج باختيار عنوان لقبورهم. أؤلئك الذين ما كانوا يملكون شيئاً يعزّ عليهم فراقه، عدا أهلهم، كيف لا تحمل الأمواج آخر رسائل وداع يبعثون بها إلى أمهاتهم، وهم يصارعون عزلاً آخر موجة، يدرون تماماً أنها ستسحبهم إلى حيث لا عودة؟
قبل نصف قرن، عندما هاجر الجزائريون بالآلاف للعمل في فرنسا، اشتهرت، ومازالت إلى اليوم، أغنية دحمان الحراّشي التي تخبر كل مغترب، أنه مهما اغترب هو لا محالة «راح يعيَا ويوَلّي» عائداً إلى وطنه. أمّا أغنية الحرّاقة اليوم فتقول «راني في الموج نتقلّب يا امّا الحنينة .. مابقى لي رجوع اداني البحر.. مُحال انوَلّي». فالحرّاق يدري أنّ عودته من البحر محال. ذلك أنه أحرق كلّ زوارق الرجعة، ولم يأخذ معه صدريّةً للنجاة، كي يكون أهلاً ليسمّى «حرّاقاً».