منوعات

خريجو الفنون.. مواهب مهدرة في سوق العمل.. البحث عن مستقبل

هنالك مهن تحتاج إلى موهبة فطرية من دونها لا ينجح ممتهنها في مشواره المهني ومعظم هذه المهن تكون فنية كالغناء، الرسم، التمثيل، الرقص وغيرها من ضروب الفنون، لكن الحقيقه أن سوق عمل المهن الفنية يحتاج إلى موهبة فطرية مصقولة بالمهارات الأكاديمية كي يواكب التطور بما هو جديد وغريب؛ كما فعلت المعمارية العراقية الراحلة زها حديد بتصاميمها الخارجة عن المألوف، والتي كانت غريبة ومرفوضة في بادئ الأمر. كذلك الموقف تجاه طلاب الفنون الجميلة منذ لحظة تقديمهم للجامعة، فكثيرا ما ينعتهم أولياء الأمور بأنهم ليسوا جادين، أو أن في دراستهم هذه ضياعا للجهد والوقت، فيرضخ البعض ويتخلى عن حلمه ويُصر البعض الآخر على إكمال المشوار لمواصلة مشواره في الكلية التي يُحب. ليُثبتوا أن الفن ليس للفشلة بل للموهوبين الذين يُصرون على تجسيد هذه الموهبة الإلهية على أرض الواقع.

مفهوم مغلوط
“رفض الكثير من أصدقائي ومعارفي التحاقي بكلية الفنون الجميلة، لأني كنت علمية وحرزت نسبة 80 % في امتحانات الشهادة السودانية، ولكن كوني علمية لم يلغ حبي للفنون ولم أستطع أن أعتبرها موهبة يمكنني ممارستها في أوقات الفراغ…” هكذا قالت صفاء محمد أحمد – خريجة فنون قسم تصميم داخلي – وواصلت: “قاومت لأني كنت أملك رغبة قوية في تحقيق حلمي بارتياد كلية الفنون قسم التصميم الداخلي وأبدع في خلق أجمل التصاميم الداخلية، وبالفعل وفِّقت في ذلك وتخرجت العام الماضي، والآن أعمل في أحد أفضل مكاتب التصميم الداخلي بالخرطوم، على أمل أن أتطور في مجالي وأصبح من أهم المصممين في البلاد”.

المفهوم المغلوط عن الفنون نتج عن الرؤية الضيقة للكلية، والتي اختصرت كل أقسامها في الرسم، ومن هنا يرفض بعض الأهل ارتياد أبنائهم لها بمفهوم تقليدي يضع نصب عينيه سوء الأوضاع الاقتصادية، وملء أذهانهم أسئلة على شاكلة: (كيف سيُساعدنا هذا الابن بعد التخرج؟ وكيف سيجد لنفسه وضعا ماديا جيدا عبر الرسم؟).

إحياء التراث
“طائعا مختارا اخترت أن أفتح محلا للمعروضات الفلكلورية في سوق أبو جهل بمدينة الأبيض المدينة التي أنتمي اليها، لأعرض فيها ما أجيد صناعته..”، هكذا ابتدر حامد حمادي محمد – أستاذ مشارك في كلية الفنون الجميلة بجامعة السودان للعلوم التكنلوجيا- ومضى: “معظم المعروضات التي في المحل من أعمالي الخاصة سواء من الجلد أو الخشب أو الحديد، معظمها فلكلورية؛ فأنا تستهويني الأعمال الفلكلورية، ومهتم جدا بإعادة إحياء التراث، وعلى سيبل المثال هنالك أعمال مستحدثة من الجزالين (المحافظ الرجالية العتيقة)، وكذلك من (المفاحض ـ المحافظ النسائية القديمة)، وكلا النوعان عملت على تطوير أشكالهما لتصبح اكثر عصرية، وبعض (المطابق) الستاتية صنعتها بطريقة حديثة لكن من السعف لتجمع بين القديم والحديث، وتتفاوت أسعارها ما بين الـ (20- 35) جنيها، أما المصنوعات الجلدية فأسعارها أعلى من السعفية نسبة لاختلاف نوع الجلد وجودته”.. ويواصل حامد: “هنالك إقبال جيد من الناس عليها، سواء أكانوا من سكان المنطقة أو وافدين. بعض المعروضات أستجلبها من المدن المجاورة كالرهد، وبعضها من المصنوعات اليدوية للسكان المحليين”.

ذوبان الفلكلور
التنوع الثقافي في السودان أنتج كمّاً هائلاً من الثقافات المحلية، وبالتالي اكتسبنا وفرة في الأعمال الفلكلورية التي غذتنا بها كل ثقافة على حدة، ومع تمازج وتداخل هذه الثقافات المحلية داخل بعضها البعض عبر التزاوج والتجاور؛ دخل تراث الغرب في بيوت الوسط، وثراث الشرق في الشمال وغيرها من أشكال التداخل، وشيئا فشيئا أصبح مزاجنا شبه واحد”، ويضيف حمادي: “تجد القرون التي يستخدمها سكان الجنوب والغرب حاضرة في أحد بيوت الوسط، والزي الذي يخص سكان الشرق موجود في الشمال، وغيرها من أمثلة تمازج الفلكلور السوداني وذوبانه داخل حدود الوطن الواحد، فإذا جاءنا أجانب نقوم بمهاداتهم بالمصنوعات السعفية على سبيل المثال (الكابتيلو) وهو أشبه بالقفة ولكنه متماسك أكثر منها وله غطاء، وكذلك طواقي السعف”.

الأبيض- نمارق ضو البيت
صحيفة اليوم التالي