مهب الأشواق
* في شبه القارة الهندية مرتفع طبيعي يسمى (مهب الأشواق).. يحكي كل من زاره عن روعته وجماله الخلاب وطبيعته الساحرة وأجوائه الخريفية المستمرة طوال العام.. وقد استوقفني الاسم طويلاً وحرض مخيلتي على العمل فرأيتني بعين الوهم أقف على قمته والأشواق تتقاذفني من كل جانب ممزوجةً بزخات من المطر الرذاذ.. وأغمضت عيني على ذلك المشهد العجيب للشوق حين يصبح قوةً محسوسة تلتف حولك وتنفخ في روحك وجلدك لوعة التوق والحنين.
وها أنا الآن.. تستبد بي الأشواق.. وأحسبها الدليل الأصدق والأعمق على ارتفاع معدل محبتنا وتعلقنا بالآخر, فالشوق وحده هو الذي يحدد لك درجة الوجدان التي يحتلها.. وكيفية احتشاده في خاطرك بالحضور الوريف والهيام الذي لا يهدأ.
ومتعة الشوق الحقيقي لا تضاهى.. فهي تطهر روحك بنيرانها.. وتجلي دواخلك من المشاعر الصدئة.. وتجعلك خفيفاً قابلاً للطيران حالما هبت الأشواق من مرقدها واستحالت (هبوباً) من التساؤلات والرغبات المكبوته والتنهيد. ثم تجد نفسك مستعيناً بالذكريات والعبارات القديمه والتفاصيل الصغيرة والأفعال الإيجابية ذات الصله بينك وبين المشتاق به أو المشتاق إليه دون أن يكون لإصرارك يد في الأمر.
* كل شيء يتداعى لذهنك بسلاسة ويسر.. وتجد نفسك تبتسم وحدك مراراً كلما استرجع ذهنك إحدى الحكايا.. ذلك لأن الشوق لا يرتبط إلا بالمعاني الجميلة والمريحة في حياتنا.
* فلا يمكن أن تشتاق لشخص تسبب لك في أذى أو ألم أو مشكلة ما لم تكن تعاني من إعوجاج نفسي يجعلك تستمتع بسادية الآخرين عليك! فتكون بذلك قد خرجت من زمرة الأسوياء من أهل الشوق.
فالشوق الحقيقي لا يستقيم والوجدان أعوج.. ونسائمه لا تهب في الأرض القاحلة أو المسطحات الصحراوية.. لا بد له أن ينمو في ظل الأجواء العليلة والقلوب الخضراء والمشاعر ذات الحسن.
* ومشاعري إليك جميلة بالقدر الذي يجعل لأشواقي ألف وجه حسن.. وإحساسي تجاهك مرتفِع حتى كاد يوازي مرتفَع مهب الأشواق!! لهذا ربما يحوطني شوقي إليك من الجهات الأربع.. وأحملك في خاطري غيماً لا يكفي قطره المطير ليطفئ نيران الولع والأمنيات العزيزة بلقاءٍ قريب.
فهل تراني تجاوزت حدود التمني حين تمنيت من كل الدنيا لقاءك؟.. وهل أنت عصي على شوقي بهذا القدر؟.. ومتى تنزل من برجك العاجي المصفح لتتجول معي في شوارع الحلم الخلفيه ببراءة الأطفال وصدق الكبار؟
* إنها العاشرة مساءً بتوقيت الشوق.. فهل تأتي؟ هو الوقت الذي لم أعتد على انتظارك فيه ولكنك تباغتني أحياناً بأجمل ما يتأتى لك من حضور.. فهل أتوقعك أم أكتفي بالوجد مشدود الأعصاب؟
حكايتي معك لم تبدأ ولم تنته.. ولن تبدأ لتنتهى.. ولن تنتهي دون أن تبدأ.. ولكنها تكتفي من كل ما أحدثته في حياتي من إرباك بهذا الشوق العاصف على قمة (مهب الأشواق).
*تلويح:
حدث الأشواق عن لهفي عليك.. كي تعلم الأشواق أني – مذ عرفتك – لم تعد تقوى على شوقي إليك..!!!