داليا الياس

بنو يعرب

أتساءل _ بعد كل هذه السنوات _ عن الدوافع الحقيقية التي جعلت مؤسسات التعليم العالي ترزح تحت وطأة التعريب!!.. وأرجو أن أجد إجابات واضحة ومنطقية بعيدا عن التحيز العنصري للغة الضاد والتشدق بالعبارات الرنانة عن كونها لغة القرآن الكريم!!.. فالله تعالى يعلم حجم الظلم الذي حاق بنا جراء هذا القرار الأحمق.
من زاوية أخرى.. هل يمكن للمعنيين مدنا بالنتائج الإيجابية التي حققتها هذه السياسات التعليمية الموقرة والعبقرية؟.. وإلى أي مدى أسهم التعريب في تفوقنا العلمي ورفع شأن اللغة العربية؟!!
علما بأن نظرة سريعة على كتابات وأساليب غالبية أجيال التعريب منذ الثمانينيات وحتى الآن تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا علاقة لهم بالعربي الفصيح ولا حتى الدارج!!.. ودونكم ما يكتبونه على جدران الفيس بووك والواتس آب والرسائل القصيرة وما يشهد به معلمو المدارس وأساتذة الجامعات من ترد مريع في مستويات الإملاء والتعبير وشكل الخطوط وقواعد اللغة!!!
إذا كانوا جميعهم يتعلمون تحت سقف التعريب القح.. فلماذا آلوا لهذه المآلات وكأنهم رهط من الفرنجة بعربية ركيكة غير مفهومة ولا مستساغة تسلمك فقط للحسرة والسخرية والاستنكار؟!!!
نعم.. إنهم أجيال العولمة والتكنولوجيا الحديثة المتطورة.. حياتهم كلها يحملونها في جيوبهم مخزونة في هواتفهم الذكية.. وأصابعهم تتقن التعامل مع الكيبوردات بتقنية عالية.. كل السوانح متاحة أمامهم لاستعداء أي معلومة حالما أرادوا.. يواكبون الأحداث لحظة بلحظة.. ويتواصلون مع كل العالم من على فراشهم.. ولكن الحقيقة المرة أن ثلة قليلة ممن رحم ربي هي التي تنعم بالإيجابيات الفعلية لكل ذلك!!
كثيرون يهدرون الوقت والجهد في (الفارغة).. طلاب ضائعون ما بين العواطف الزائفة وتقليعات الموضة الغريبة وعبقريتهم السالبة.. إذ لا يمكن لأحدهم أن يبتكر أو يبرع في شيء برغم ما يتمتع به من قدرات فائقة في التعاطي مع الأجهزة الحديثة!!.. وحالما طلبت من أحدهم أن يكتب لك سطرين باللغة العربية ستصاب بالغثيان مما ستراه!! على الرغم من أنهم شباب التعريب.. أما الإنجليزية فحدث ولا حرج!! يحفظون الأغاني الغربية عن ظهر قلب.. يتداولون العبارات الفخيمة التي تتكرر في الأفلام.. يلتزمون بالتقليد.. ولكنهم لا يفقهون من الإنجليزية شيئا!!!. لا يمكنهم الدخول في حوارات طويلة.. ويعجزون عن التواصل مع الآخر!!
فأين هو التعريب.. وأين هي العولمة..؟!! أصبحوا عبارة عن أجيال مشوهة.. لا تملك هوية واضحة.. تحيا في صراع دائم ما بين الثقافات والاحتياجات.. هم أنفسهم قد لا يتوقفون كثيرا ليتساءلوا إلى أين تمضي بهم السياسات التعليمية الفاشلة التي لا تجد رجلا شجاعا يخرج علينا معترفا بفشلها وضرورة إعادة النظر فيها؟!
الآن.. المتفوقون من شبابنا يعانون الأمرين من ضعف لغتهم الإنجليزية التي تقعدهم عن المنافسة أو المواكبة.
ونحن نعاني من الرسائل التي تردنا بأخطائها اللغوية ومستوى بلاغتها الوضيع وعباراتها الركيكة!!
فمن أين لنا بمحاولة إنقاذ سريعة للغة القرآن ولغة العالم؟!! فكروا معي.. ودونكم كراسات أبنائكم إن لم تكونوا تعلمون.. ودونكم أوراق الامتحانات الجامعية التي حدثني أحد أساتذتها الكبار في جامعة مرموقة عن أنهم كانوا في ما مضى يجتهدون في البحث عن الأخطاء لتحديد نتيجة الطالب ومستواه.. ولكنهم الآن يبذلون جهد الأنبياء ليبحثوا عن معلومة شبه صحيحة ليكفوه شر الرسوب ويعجزون عن قراءة ما هو مكتوب باللغة العربية ناهيك عن الإنجليزية.. فإلى أين يمضي أبناؤنا؟.. وبأي لغة يمكننا أن نخاطبهم في المستقبل القريب؟.. أقترح _ طالما أنه لا يعترف المسؤولون في بلادي بأخطائهم _ أن تضمن لغة (الراندوك) في المقررات الدراسية عسى ولعل!!!
تلويح:
الآن.. يتداولون الأحاديث (بالعربي الفصيح).. فتجد نفسك تردد على طريقة مدرسة المشاغبين: (إنجليزي ده يا مرسي)؟!