أسئلة تنتظر الإجابة في سيناريو محاولة اغتيال جمعة
كثيرون في مصر يشككون بالرواية الرسمية التي خرجت عن السلطات حول إطلاق النار الذي تعرض له المفتي السابق للجمهورية، الدكتور علي جمعة، في ظل مسارعة صارت كلاسيكية لأوساط النظام إلى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالاعتداء. ويؤكد قيادي سابق في وزارة الداخلية المصرية، خرج من الوزارة في حركة التنقلات والمعاشات التي أصدرها اللواء مجدي عبد الغفار، أن المؤشرات الأولية لحادث إطلاق النار على جمعة، أثناء توجهه إلى صلاة الجمعة في مسجد بمدينة السادس من أكتوبر غربي القاهرة، تؤكد أن “هناك أمراً غير طبيعي حول العملية”، وفسر ذلك بأن تعامل وزارة الداخلية مع الحادث “جاء مرتبكاً وبطيئاً بالنظر إلى الأهمية التي يحظى بها جمعة في الدولة، ما يثير شكوكاً عديدة” على حد تعبير المصدر الأمني.
ويذكّر المصدر بأن وزارة الداخلية غالبًا ما تحرص في مثل تلك الحالات على إصدار بيانات سريعة تؤكد توصلها إلى معلومات حول الجناة، وأنها بصدد تتبعهم والقبض عليهم، إلا أنها في حالة جمعة، تأخرت كثيرًا في إصدار بيانها، والذي جاء مقتضبًا وغامضًا وغير منطقي، حيث قال إنه “أثناء خروج الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق من منزله بمنطقة 6 أكتوبر مترجلاً للتوجه إلى مسجد فاضل القريب من محل إقامته لإلقاء خطبة صلاة الجمعة، قام مجهولون كانوا يختبئون في إحدى الحدائق بخط سيره بإطلاق النار تجاه فضيلته”. وأكدت الوزارة أن القوة المرافقة له والمكلفة بتأمينه بادلتهم إطلاق النيران مما دفعهم للفرار. وأشارت إلى أنه “لم يصب فضيلة المفتي، إلا أن أحد أفراد القوة المكلفة بالتأمين أصيب في قدمه”. واستغرب المصدر أن البيان لم يحدد على وجه الدقة عدد المشاركين في الهجوم، على الرغم من أن مكان الحادث كان مكشوفًا وفيه عدد كبير من المواطنين الذين ذهبوا إلى صلاة الجمعة، وأن القوة المكلفة بتأمين المفتي السابق هي من أفراد وزارة الداخلية المحترفين.
واستبعد المصدر أن تكون العملية مخططة من قبل تنظيم إرهابي محترف، مستشهدًا بعمليات إرهابية محترفة سابقة، مثل عملية استهداف وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم أثناء توجهه من منزله بمدينة نصر إلى مقر الوزارة بميدان لاظوغلي بوسط القاهرة، والتي فشلت نتيجة أن الوزير قام بتغيير السيارة التي يستقلها في آخر لحظة قبل انطلاقه، وهي العملية التي نفذها ضابط سابق في القوات المسلحة المصرية يدعى الرائد وليد بدر، وهو “جهادي تكفيري” التحق لفترة بالقوات المسلحة وتم فصله، وعملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، والذي تم استهداف موكبه أثناء خروجه من الشارع الذي يقطن به في مصر الجديدة في طريقه إلى مكتبه بوسط القاهرة، وأودى بحياته.
وبينما أعلنت حركة أطلقت على نفسها اسم “حسم” مسؤوليتها عن محاولة اغتيال جمعة، سارعت مواقع إخبارية مقربة من نظام السيسي إلى اتهام جماعة الإخوان المسلمين بأنها تقف وراء تلك الحركة، بل وصل الأمر إلى أن جريدة اليوم السابع، والتي يملكها أحمد أبو هشيمة، المقرب من النظام، ذكرت على لسان “مصادر سياسية” أن الحركة مرتبطة بالمخابرات التركية، التي خططت لاغتيال جمعة حسب “اليوم السابع”، بعد “تحريض وزير الشؤون الدينية التركية محمد جورماز للمفتى السابق واتهامه السابق بأنه ينسق مع غريم أردوغان، فتح الله غولن؛ وهنا أكد المصدر الأمني لـ”العربي الجديد” أن وزارة الداخلية غالبًا ما تلجأ إلى مثل هذه الحركات “الوهمية” عندما تريد إثارة الرأي العام الداخلي والخارجي على جماعة الإخوان وأنصارهم في الخارج، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
من جهته، قال سياسي مصري بارز إن أجهزة الأمن في مصر اعتادت إثارة الاهتمام حول مثل هذا العمليات، والتي يثبت فيما بعد أن كثيراً منها “مزيف” للتغطية على مشكلات داخلية تواجه الحكومة، وإن هذه المشكلات تتمثل في اللحظة الحالية في ارتفاع سعر الدولار الذي أدى بدوره إلى ارتفاع رهيب في أسعار السلع، ومع الإعلان عن شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضأ يصل إلى 12 مليار دولار، وهي الشروط التي من شأنها تحميل المواطن المصري أعباءً إضافية، بالإضافة إلى خشية النظام من مظاهرات تخرج في ذكرى مجزرة رابعة العدوية، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية التي يواجهها السيسي، والمتعلقة بالنقد الموجه لحكومته بشأن أوضاع حقوق الإنسان. ويعتبر السياسي المصري نفسه أن مثل هذه العملية تعطي الفرصة للسيسي للإثبات للغرب بأنّ مواجهة الإرهاب تتطلب إجراءات قد لا تتفق مع معايير حقوق الإنسان العالمية.
المعنى ذاته أشار إليه الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي، ورئيس “حركة ثوار ضد الصهيونية”، محمد عصمت سيف الدولة حيث كتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: يتشارك الإرهاب مع الاستبداد في احتقار الشعوب والتآمر عليها وعلى حرياتها؛ الدولة تقهرهم، والإرهابيون يمدونها بالذرائع. يلعبون معاً لعبة مجنونة شريرة صفرية، لا مكان فيها ولا تقدير او اعتبار للآلاف المؤلفة من المعارضين والثوار السلميين وللمعتقلين وأهاليهم المعذبين، والذين يكونون هم أول ضحايا العمليات الإرهابية، فيتعرضون لمزيد من القهر والانتهاكات الأمنية. جريمة إرهابية واحدة تهدر جهود شهور من النضال السلمي، وتشرعن الاستبداد، وتنتصر لرواياته المزعومة والباطلة، وتبرر وجوده وتطيل عمره، وتضعف من التعاطف الشعبي مع المعتقلين لدى قطاعات واسعة من الرأي العام المُضَلَل، وتأخذ الأبرياء بجريرة المجرمين، وتشتت الانتباه عن القضايا المهمة والمعارك الرئيسية. الإرهاب والاستبداد، كلاهما معاد للشعوب والثورات والحريات.
واشتهر جمعة بالعديد من الفتاوى الدينية والآراء المثيره للجدل، واختير عام 2009 من ضمن الشخصيات المسلمة الخمسين الأكثر تأثيراً في العالم، حسب تقييم المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بعمّان في الأردن. كان له تصريح مثير عام 2013، عندما وصف كل من يحارب الدولة المصرية بالسلاح بـ”الخوارج”، أثناء إلقائه كلمة أمام وزير الدفاع المصري آنذاك والرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، وعدد من قيادات الشرطة والجيش. كما طالب وقتها، باستخدام القوة وبعدم التضحية بالجنود المصريين. وزعم في المناسبة ذاتها أن الرئيس المعزول محمد مرسي قد سقطت شرعيته، لأنه صار “إماماً محجوراً عليه”، كما أكد للحاضرين أن الرؤى قد تواترت بأنهم مؤيَّدون من قبل الرسول إذا كان هدفهم الدفاع عن الآمنين، وهو ما استنكرته جبهة “علماء ضد الانقلاب”، مطالبة بمحاكمته جنائياً وسحب درجته العلمية. ثمّ عاد جمعة، في حوار تلفزيوني، ليقول إنه لم يطالب بقتل المتظاهرين السلميين في التظاهرات، وإنه لم يصف جماعة “الإخوان المسلمين” بالـ”خوارج”، ولكنه وصف بذلك كل من يحمل السلاح ضد الدولة، حتى لو كان حجراً.
من أشهر عبارات جمعة، رسالة وجهها للسيسي، قال فيها إن “السيسي عنده حق في سياسته”، قائلاً: “سر واستمر وهذا يدل على أنك على الحق… وتذكر ربك وصل له كما أنت تحافظ على الصلاة وسر على بركة الله”. ثم طالب جمعة، في مداخلة للتلفزيون الحكومي، جموع المصريين، بالابتهاج والفرحة، قائلاً: “إياكم أن تنسوا الفرحة”. وفي الفترة الأخيرة، اتهم رئيس الشؤون الدينية التركية، محمد غورماز، للمرة الأولى، جمعة، بالارتباط بجماعة فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا. –
العربي الجديد