د. ياسر محجوب الحسين

الإرهاب..التباس الأيدولوجيا


في ظل تصاعد موجة الإرهاب أصبح الإعلام نهبا لمحاولات الجماعات الإرهابية لتطويعه واستغلال إمكاناته التكنولوجية تحقيقا لأهدافها السياسية غير المشروعة عبر التباس الأيدولوجيا.. والالتباس غُمُوضٌ وإِشْكَالٌ وعَدَم وضوح، بيد أن الجماعات الإرهابية تقصد الالتباس في ذاته وتفتعله، مثل التكييف الايديولوجي للنصوص القرآنية، حيث يتغاضى قادة ومنظرو الجماعات الإرهابية عن مناسبات الآيات، في مقابل قصد التعميم المخل. ووظفت نصوص القتال في القرآن توظيفا يخضع لما تودّ هذه الحركات تقريره، وليس لما يقوله أصحاب الاختصاص من فقهاء التفسير.

وينغمس تفكير هذه الجماعات المنحرفة في الماضي أكثر من العيش في الحاضر والتخطيط للمستقبل، كما تحتفي بالموت أكثر مما تحتفي بالحياة. وفي تناقض بيّن، تتكلم باسم المجتمع المسلم وفي ذات الوقت تشكّك في أهلية هذا المجتمع، فالمجتمع عندها جاهل ولا يمكن أن يكون شريكا في ممارسة السلطة ولا حتى ممارسة الشورى بمفهومها الأصولي.

ولعل الإشكالية الماثلة تتمثل في العلاقة بين الإعلام والإرهاب والعنف المتدثر بالطقوس الدينية والمذهبية. والتباس الأيدولوجيا أو التضليل الإعلامي، سلاح قوي في سياق الحروب الإعلامية، ويعتبر أيضا أحد المرتكزات الأساسية للإستراتيجية السياسية الشاملة. وبذا تحوّلت الرسالة الإعلامية عند المتطرفين إلى رسالة سياسية دعائية ونشاط مصمم للتأثير على المتلقين بقصد إقناعهم بما لا يتفق والمصلحة العامة بغرض توجيه أو تغيير سلوكهم سعيا وراء غايات سياسية مباشرة أو غير مباشرة. والدعاية كما هو معلوم محاولة كسب مظهر الصدق، وليس بالضرورة أن تكون الرسالة صادقة فالمهم كسب ثقة الجمهور المتلقي المراد إقناعه؛ فهي بالضرورة نشاط منظم يمارس على الرأي العام، لجعله يقبل الأفكار أو المذاهب، خصوصا في المجالين السياسي أو الاجتماعي. وتعرف الدعاية السياسية أيضا بأنها سلوك طرق وأساليب مختلفة، لإخفاء الحقائق أو التدخل في تفسيرها أو حتى قلبها.

ولا فرق كبير في وسائل العمل الدعائي ما بين الدول الديمقراطية والدول الدكتاتورية، فقد لجأت مراكز القوى في كليهما لأساليب التأثير والعواطف وتحريك الحماس والحقد والكراهية، لا فرق في ذلك بين الإرهابيين النازيين في الحرب العالمية الثانية أو الشيوعيين البلشفيين في استهدافهم للعمال، أو الرأسماليين الذين يدعون إلى الليبرالية والحرية والديمقراطية.

لقد تحولت الحرب الإعلامية في العصر الحديث من استهداف الجنود والمقاتلين في الميدان سلبا وإيجابا إلى المجتمعات والأمم. ويعتبر التضليل أحد وسائل الدعاية والحرب النفسية ضمن الحرب الإعلامية، ولا تقاس تسمية الحرب بمقاييس الحرب العسكرية لأنها أحيانا تحقق مكاسب كبيرة ليس باستخدام أدوات الصراع المسلح، بل هي تسبقه في ميدان الصراع السياسي وأحيانا تكسب الحرب قبل بدئها، وتمتاز بنشر وبث المعلومات والأفكار المغلوطة عن عمد وعن سابق تصور وتصميم لخلق واقع مزيف ومغلوط يحاصر الرأي العام لكسب تأييده.

وتقوم عمليات التحول السّياسي والاستمالة، وذرع المعتقدات الجديدة، على استخدام أساليب قتل العقل إذ تتضافر فنون الضغط الثقافي والعاطفي مرتبطة بالضغط البدني للسيطرة على الإنسان الضحية، وتحويله إلى فرد له عقلية جديدة. ولذا تمكن تنظيم داعش من تجنيد الشباب من خلال قوة التحكم بالعقول، والتي تتم بشكل مبرمج وخفي لإحداث تحولات نفسيَّة عميقة تصل إلى درجة توجيه فكر الضحية ضد عقيدتها وأفكارها وتبنيها عقيدة مشوهة.

إن ضرر ظاهرة الإرهاب لا يقتصر على التشويه العقدي والفكري فحسب؛ فقد استغلت هذه الظاهرة بعض الأنظمة التسلطية بإنتاج تشريعات لمكافحة هذه الظاهرة، بيد أن المقصود المستبطن هو كبح وقمع حريات الرأي والتعبير، والسيطرة السياسية على المجال الإعلامي في عمومه. فبعض هذه الأنظمة، استخدم الإعلام، في الدعاية السياسية المضادة للجماعات الإسلامية السياسية على نحو معمم، كما هو الحال في مصر إذ يتم عمدا الربط بين جماعة الإخوان المسلمين وبين داعش. كما تتعمد إسرائيل الربط بين الأعمال الإرهابية وحق الشعب الفلسطيني في الكفاح والنضال لاستعادة أرضهم المغتصبة.

من جانب آخر يعمد أعداء الإسلام في الغرب إلى نشر وتعزيز الإسلاموفوبيا أو الرّهاب الإسلامي وهو رُهاب قائم على المماهاة بين الإسلام والإرهاب، مثل ما قال به المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون بأن “حدود الإسلام دموية وكذا احشاءه”. وكتب الرجل مقالة شهيرة في مجلة النيوزويك السنوي في ديسمبر 2001 بعنوان “عصر حروب المسلمين” مؤكدًا أن حروب المسلمين ستشكل الملمح الرئيسي للقرن الحادي والعشرين. وأغفل هنتنجتون القراءة الموضوعية لحقيقة الدين الإسلامي وحضارته، وفي مقابل ذلك ركّز على قراءة الأوضاع السياسية التي تقوم فيها الأنظمة المستبدة والجماعات الإرهابية بالدور الأساسي، ولذا لم يبن نظريته على رؤية موضوعية للحضارة الإسلامية التي لا يمثلها بالضرورة لا الإرهاب أو الاستبداد.


تعليق واحد

  1. من أجمل ما قرأت في تحليل الموقف و أجرأه طرحاً و أفصحه
    جزاكم الله خير يا دكتور
    و لي عودةٌ و تعليقٌ مفصل وحلول لعل من مسؤول يطلع عليها
    غداً إن شاء الله
    إن أحيانا الله و مد في الأيام

    ———————————————————————
    التوقيع:
    الصارم البتار على أهل الشرك و الأشرار !!!

    قال الأخ زول (حفظه الله) :
    قل اللهم صل وسلم على سيدنا محمد كل يوم عشر مرات صباحا ومساءا تدرك شفاعه النبي محمد صلى الله عليه وسلم باذن الله !!! شفاعه مضمونه 100% لا شق ولاطق ان شاء الله لان شفاعه الصالحين غير مضمونه