هيثم كابو

قوة عين


* نعم؛ تجليات الساحة الفنية لا أول ولا آخر لها، ولكن (الجديد لنج) هو افتخار أصحاب الأغنيات الهابطة بما تحمله من ركاكة وإسفاف وابتذال وسطحية وخروج تلك الأصوات المشروخة للدفاع عن الأغنيات (الهايفة) مما يؤكد أننا وصلنا لمرحلة متقدمة من (قوة العين) والمجاهرة بالقبُح والابتذال، فما يحدث بالمشهد الفني يؤكد أن (الشينة أضحت مذكورة؛ ولم تعد منكورة) ..!!
* ما يحدث من هؤلاء المغنواتية يعد سرقة علنية يتم الإشهار عنها بواسطة مكبرات الصوت ولا بد للقانون أن يحاسب على مثل هذه الجرائم الشنيعة، فهؤلاء الصبية يسرقون من أذن المستمع حصافتها، ومن الساحة الفنية احترامها، ومن الأغنية رصانتها ..!
* السرقة لا تعني فقط أن تضع يدك في جيب غيرك لتسحب ما بداخله من نقود دون أن يشعر بفعلتك النكراء تلك، والسرقة ليست هي فقط القفز من فوق الأسوار للاستيلاء على ما في المنازل ونهب المحلات التجارية، ولعمري إن أبشع أنواع السرقات على الإطلاق هي سرقة ثوب الحشمة والاحترام عن الفن والوجدان بهدف ضرب قيم المجتمع وتعرية الذوق العام ..!
* والأسوأ من هبوط الصغار متاجرتهم الرخيصة بغوالي الكبار ..!
* أبلغ مثال أن الاحتفال بيوم ميلاد فنان افريقيا محمد وردي بات يعنى عند البعض إقامة الحد على أغنياته؛ وقتلها تشويهاً؛ و(لعنة الله على “الوفاء” الذي يغرس نصله في خاصرة الروائع الخالدة ليغتال أمام الملأ أنضر وأعذب الغناء)..!
* يا ترى ماذا نقول عن بعض المطربين الذين فعلوا بأغنيات كبار الفنانين الأفاعيل، وأذاقوها مُراً لم تكن تتوقع يوماً أنها ذائقته، وصدق الراحل زيدان ابراهيم عندما قال ذات يوم موجهاً حديثه لشباب الفنانين:
(غُناي شعراً ما عندكم ليهو رقبة).
* السؤال: (هل التعليقات الساخرة اللاذعة على تشويه بعض المطربين لروائع الكبار دفعتهم للإقلاع عن (مرمطتها) وهجروا ترديدها عبر حناجرهم؟؟).. الإجابة: (للأسف لا، لأن معظمهم شباب بلا كرامة، وباتت تحذيرات (السميعة) لهم من محبي الفن الأصيل بضرورة الابتعاد عن تلك الأعمال باذخة الجمال أشبه بتحذير وزارة الصحة المكتوب ببنط عريض على صناديق السجائر، فالتحذير يؤكد أن (التدخين ضار بالصحة) وعدد المدخنين في زيادة مستمرة ويا لها من مفارقة و(حقيقي حكمتو بالغة)..!
* أليس هناك حناجر شابة تجيد ترديد الغناء المسموع؟.. بالطبع توجد أسماء عديدة؛ وبإمكاننا اليوم أن نقف عند أحد النماذج ..!
* كل من يستمع مثلاً للمطرب الشاب حسين الصادق وهو يؤدي (أغنية مسموعة) يعرف حجم موهبة الفتى وتميزه عن أنداده وتجاوزه لهم بمسافات طويلة، كما أن القبول الكبير الذي وجده وسط الشباب في الأونة الأخيرة جعله يقف في الصف الأول لنوابغ الفنانين الشباب.. نحت حسين على الصخر بصبر.. لم يستعجل الشهرة كما يفعل أبناء جيله.. يعرف قدراته جيداً ويدرك أنه سيصل في التوقيت المناسب.. فقط عليه الحذر والاهتمام بتجربته الفنية أكثر وأكثر؛ ففي بعض الأحيان يتسرب إلينا إحساس أنه لا يدرك حجم موهبته ولا يعرف كيف يحافظ على اسمه ويُحصِن المكانة التي صنعها لنفسه ..!!
* قلنا من قبل كثيراً إن حسين الصادق يعد أحد أعذب الأصوات التي صافحت الأذن السودانية في السنوات الأخيرة.. يمتلك إمكانيات مهولة وقدرات فائقة ويتحرك في كل المساحات ويجيد تقديم صوته للناس بصورة تدهش أهل الفن قبل المستمعين.. لا يختلف اثنان من أصحاب الذائقة السليمة على تميزه، كما أنه يمتاز باختيارات ناضجة – إذ استثنينا أغنية (شوفتك بتخلع) لأمجد حمزة التي تحوم حولها شبهات الاختلاف من حيث التقييم إذ يرى الكثيرون أن مفردة (بتخلع) لم تكن هي الأنسب للتشبيه مما أفقد الأغنية كثيراً من جمالها وخصم من رصيدها فصنفت ضمن قائمة الأغاني (منزوعة الرصانة)..!!
* نجح حسين الصادق في فترة وجيزة خاصة في الخفلات الجماهيرية تلك حقيقة، ولكن السؤال المهم: (هل يعي حسين أن لهذا النجاح ضريبة ومتطلبات، وأن صناعة (الاسم الفني) ليست أمراً سهلاً، كما أن الحفاظ على ذاك الاسم بعيداً عن متناول يد الشوائب من التحديات الحقيقية التي تجابه القادمين إلى عوالم الشهرة ودنيا النجومية..؟

نفس أخير
* ولنردد خلف الحلنقي:
رد السنين الشلتها رجع سنين عمري المضى
عز الليالي الباقية لي
أديه بس حبة رضى
قضيت سنيني أراضي فيك
لما العمر كلو انقضى..!