هيثم كابو

هيثم كابو يكتب: الحصول على بندقية (حميد)!


تحذير :
إياك والإكتفاء بقراءة العنوان لتكوين صورة كاملة عن الفكرة، فإن كانت (المظاهر) خداعة فـ(العناوين) أيضاً كذلك..!
] مرافعة :
العنوان يمثل تاج الفكرة وخلاصتها، ويعكس مضمونها ودلالتها، ويشير إلى أبعادها ومغازيها، لذا فإن التحذير بعدم الإكتفاء بقراءة العنوان لا يتناسب ومنطق الأشياء، وثمة مثل يقول:(الجواب واضح من عنوانه)..!!
] إضاءة:
عندما ينحاز العنوان إلى قائمة (المفارقة) فإنه ينتهج أحياناً أسلوب (الصدمة)، وتلك طريقة يعمد إليها كثير من الكتاب؛ والأدباء؛ والروائيين، فالنور الكارس مثلاً إختار ذات مفتتح أن يستهل روايته (أصابع الصمت) بمفردة (طاخ)، وعلى ذات النهج سار الفنان عمر بانقا (عضو فرقة عقد الجلاد السابق)، وهو يختار رائعة الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد (لو ألقى بندقية) عنواناً لألبومه الذى طرحه قبل عدة سنوات إبان قضاء إجازته بالسودان.
ماذا سيفعل حميد طبقاً لنصه الذي تغني به عمر بانقا إذا وجد بندقية ؟.. هل سيملأ الجو رصاصاً، ويقتص لبعض أحزان قديمة، أم أنه سيأخذ الثأر بنفسه من قتلة المناضلين والشهداء؟.. الإجابة المختلفة تكشفها أبيات النص التي قال فيها بالحرف الواحد :
لو ألقى بندقية حاطفش الحمائم
عشان قاعد تقوقي
و هديلاً حالي حالم
يذكرن بشوقي
لعالم مسالم
لو ألقى بندقية
حاكتل البنادق
إذا تخون قضية
وشعاعو نصلو شارق
عشان حشا البنية
يدفي ما يدافق
لكل مشرقية
خندق من الخنادق.
] للتأمل:
تلك كانت فلسفة حميد من بحثه عن بندقية لإعادة ترتيب الأوضاع وصياغة المفاهيم بصورة مغايرة، فرجل مثله يستحق أن نهدي لروحه الطاهرة كل خطوات السلام وأتفاقياته، وصولاً إلي الإحتفال بعودة قادة الحركات المسلحة، ونحن نردد خلفه:
ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻣﻠﺢ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ
ﻣﺎﻓﻲ ﺣﺐ ﺍﻹ ﺇﺑﺘﺪﺍﺑﻮ
ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﻠﺔ ﺍﻟﺠﺎﻧﺎ ﺳﺎﻳﺮ
ﻳﺎﺣﺒﺎﺑﻮ ﺍﻟﺠﺎﺏ ﻋﻘﺎﺑﻮ
ﻫﻤﺒﺮﻳﺐ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻳﻘﺪﻝ
ﻭﺍﻷﻣﺎﻥ ﻳﺮﺑﻂ ﺻﺤﺎﺑﻮ
ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺗﻨﺰﻝ
ﻭﺍﻟﻮﻃﻦ ﻳﺨﻀﺮ ﺗﺮﺍﺑﻮ.
] وقفة:
نهدي السلام لحميد، الذي إذا أردت معرفة معنى النبوغ الأدبي وعبقرية شعر العامية السودانية، فعليك بروائعه، وإذا كنت راغباً في معرفة عميق إرتباط القوافي بالأرض والناس والمعاناة والهموم فحميد هو ملاذك، وإن كنت تبحث عن أشعار قاسمت الناس لقمة الأفراح والآمال والأحلام، و(تحكرت) مع الكادحين والغبش في (واطة الهم العام)، فلا سبيل لديك سوى الرجوع لشعر حُميد فهو أصدق بيان وأعمق تبيان .!
] إقرار:
يستحق حميد أن نغري عليه السلام، ونهديه له، فقد كانت حياته عبارة عن قصيدة طويلة لخدمة الناس ونقل نبضهم والتعبير عنهم، وكلما ضاقت به المساحات الرحبة واشتد عليه الحصار أوجد لنفسه حيزاً و(نفاجاً)، حتى باتت قوافيه في بعض الأزمنة؛ كالمنشورات المحظورة، يتداولها الناس (سراً)، ويحفظونها عن ظهر قلب، إلا أنهم لا يستطيعون الوقوف في المنابر للصدح بها (جهراً) .!
] خلود:
برحيل حميد إفتقدنا رمزاً وطنياً كنا نحتاجه في بناء سودان الغد، ورغم حضور قوافيه المتجاوزة للزمان والمكان إلا أن مقعده بالساحة الأدبية والوطنية لا يزال شاغراً، فقد إفتقدناه مناضلاً مهموماً بالناس، و(ود بلد) أصيل، قبل أن يكون مبدعاً وشاعراً، ليترك رحيله جرحاً لا يندمل، وحزناً لا ينتهي، بينما ظلت أشعاره حاضرة في ثورة ديسمبر المجيدة، وفي بيانات استكمال الاستحقاق الثوري بعد مجزرة فض الإعتصام، ثم في ملحمة إنتزاع حق الحكم المدني، وفي الأزمات والأفراح والتضحيات ورفرفة رأيات السلام.
نفس أخير
] أغني لشعبي ومين يمنعني
أغني لقلبي إذا لوعني !

هيثم كابو – صحيفة الانتباهة