هل هناك أمل للسلام بدولة الجنوب
لزم – مئات المواطنين في مدينة جوبا- المدارس لأكثر من أسبوعين وهم يصارعون الجوع وأسراب البعوض والناموس وأيضاً الخوف بعد أن شُرّدوا من منازلهم.
وتقول بيتي جرستين أنا فقط أريد السلام -وبيتي البالغة من العمر 19 عاماً فرت من منزلها في جوبا عندما اندلعت المواجهات العنيفة هذا الشهر وفي طريقها للبحث عن ملجأ مرت عبر مجموعة من الجنود تجادلوا حول خيار إطلاق النار عليها أو تركها تذهب وشكرتهم حينما قرروا أخيراً العفو عنها لأنها امرأة.
وفي نهاية المطاف بلغت بيتي هذا الملجأ المؤقت بصحبة خالتها وعدد من أقاربها إلا أنها لم تسمع خبراً عن والدتها منذ بدء إطلاق النار، كما أنها لا تعرف أين يمكن أن تجدها.
ومن المفترض أن تكون الحرب الأهلية في جنوب السودان انتهت في أبريل الماضي عندما عاد زعيم الحركة المعارضة الدكتور رياك مشار إلى جوبا بمعية أكثر من 1400 جندي بعد أكثر من عامين من الصراع المسلح أودى بحياة عشرات الآلاف من المواطنين ليستأنف مهام منصبه الجديد نائباً أول لمنافسه التقليدي الرئيس سلفاكير ميارديت.
مناخ عدائي
ولتحقيق الاستقرار بجنوب السودان، أحدث دولة في العالم، كوّن الرئيس سلفاكير ونائبه مشار حكومة انتقالية، إلا أنه وعلى مدى شهور طويلة تعايش الجنود من كلا الطرفين وسط مناخ شديد التوتر والعدائية.”
صوت المدفعية الثقيلة دوى في العاشر من يوليو في جميع أنحاء جوبا إذ انزلق الطرفان نحو هاوية الحرب من جديد، الأمر الذي أدى إلى مقتل مئات الجنود والمدنيين
”
وفي 7 يوليو تبادل الجنود من كلا الطرفين إطلاق نار عند إحدى نقاط التفتيش أدى إلى مقتل خمسة من الجنود الموالين للرئيس سلفاكير وفي اليوم التالي للحادث اندلع إطلاق نار كثيف حول محيط القصر الرئاسي في جوبا عندما كان الزعيمان مجتمعين في الداخل.
وفي العاشر من يوليو دوى صوت المدفعية الثقيلة في جميع أنحاء جوبا إذ انزلق الطرفان نحو هاوية الحرب من جديد، الأمر الذي أدى إلى مقتل مئات الجنود والمدنيين خلال تبادل إطلاق النار.
وبالرغم من صمود اتفاقية وقف إطلاق النار المتفق عليها الأسبوع المنصرم إلا أن مشار اعتبر ما حدث مؤامرة متعمدة ضده وجنوده وقال إنه مختبئ في مكان قريب من جوبا لا يريد الإفصاح عنه خوفاً على سلامته.
قوات عازلة
وفي يوم الخميس أصدر الرئيس سلفاكير بياناً دعا فيه مشار للعودة إلى جوبا خلال 48 ساعة، إلا أن البيان لم يوضح العواقب التي تترتب على عدم عودة مشار خلال المهلة المعلنة.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئيس اتيني ويك اتيني، لو عاد مشار دون أن يهاجم القوات لن تكون هناك مشكلة إلا أن مشار أكد بأنه لن يعود إلى جوبا قبل أن تقوم الشعوب في المنطقة بإرسال قوات تكون بمثابة قوات عازلة.
واتهم ممثل حركة مشار حكومة الرئيس سلفاكير باستهداف أعضاء الحركة المتمردة خلال قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في رواندا الأسبوع الجاري، قائلاً بأن الجيش استخدم مروحيات مقاتلة لتدمير مقر إقامة زعيمهم الدكتور رياك مشار.
ودعا الاتحاد الأفريقي لنشر القوات الإقليمية في الجنوب مع تفويض أقوى من ذلك الذي منح لما يقارب 12 ألف جندي أممي متمركزين هناك.
إلا أن الرئيس سلفاكير أكد رفضه لنشر هذه القوات .وبات واضحاً انهيار اتفاقية السلام التي أنهت الاحتراب رسمياً ودعت لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين أطراف الصراع.
ترهيب واعتداء
وتم طرد قوات مشار من جوبا بعد أن أحكمت قوات الرئيس سلفاكير السيطرة التامة عليها ومنذ ذلك الحين واجه أعضاء المعارضة الذين يعملون وزراء في الحكومة الانتقالية صنوفاً من الترهيب والاعتداء.”
مشار : الحكومة الانتقالية لا يمكن أن تعمل في ظل الوضع الحالي من الترهيب والناس خائفون على حياتهم، والرئيس لا يمكنه حمايتي لقد بدأوا باستهدافي شخصياً
”
ويقول مشار الحكومة الانتقالية لا يمكن أن تعمل في ظل الوضع الحالي من الترهيب والناس خائفون على حياتهم، والرئيس لا يمكنه حمايتي لقد بدأوا باستهدافي شخصياً.
وبعد اختفاء زعيمها واجهت المعارضة انقسامات متزايدة واتهم الموالون لمشار حكومة سلفاكير بمحاولة تعيين وزير التعدين تعبان دينق، الذي مثّل مشار خلال مفاوضات السلام العام الماضي رئيساً جديداً للمعارضة.
ويقول الخبير في الشأن الجنوبي والأستاذ بجامعة جورج تاون الحكومية للصحيفة هاري فرهوفن، إن فكرة توحيد القيادة طالما ظلت فكرة وهمية عندما يتعلق الأمر بجنوب السودان، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على مشار وسلفاكير كما رأينا خلال الحرب.
وأحياناً يأخذ جنرالاتهم القيادة من تلقاء أنفسهم وهذه واحدة من أكبر العقبات التي تواجه عملية السلام.
نهب وسرقة
وكما هو الحال في جوبا ساد التوتر جميع أنحاء البلاد إذ اندلعت المناوشات القاتلة في عدد من الولايات منذ توقيع اتفاقية السلام العام الماضي.
الأمر الذي دعا حكومة جوبا لتحذير المليشيات الحاملة للسلاح في المناطق الشمالية الشرقية للبلاد -حيث تمركزت الحرب الأهلية -من شن هجمات رداً على أحداث جوبا الأخيرة.
ويقول المتحدث الرسمي باسم الجيش الشعبي الموالي للرئيس سلفاكير لول رياو كوناج “الصراع بين جيشي طرفي الصراع له أبعاد سياسية .محذراً من أن الحكومة ستشن غارات جوية حال قرر المدنيون في المناطق الشمالية الشرقية تعبئة قواتهم.
ويقول العديد من سكان جوبا إن السياسات وراء المجزرة الأخيرة في جوبا كانت محيرة، فضلاً عن أنهم يشعرون بالإحباط الشديد تجاه الحكومة والتي فشلت على نحو متواصل في توفير الأمن والاستقرار لمواطنيها.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحياة تدب في شوارع مدينة جوبا لا زالت التوترات مستمرة بعد نزوح آلاف الأشخاص من منازلهم جراء دوامة العنف الأخيرة التي ضربت المدينة وانتشرت روائح الجثث المتعفنة في الأحياء الأكثر تضرراً من المواجهة.
وعاث الجنود والمتفلتون فساداً في المدينة إذ نظموا عمليات سطو وسرقة منظمة على المنازل التي هجرها أهلها خوفاً على حياتهم فضلاً عن المتاجر والمخازن التابعة للمنظمات الإنسانية والأممية ونهب أكثر من 4000 طن متري من المواد الغذائية، كانت موجودة بمستودع برنامج الأغذية العالمي الرئيسي خصصت لاستخدامها عند الطوارئ .
حطام مدينة
ومثلها مثل غيرها من النازحين تقول كرستين إنها لا تستطيع العودة إلى منزلها بعد أن تدمر عدد كبير من منازل جيرانها جراء القصف العنيف وتراصت الدبابات العسكرية والسيارات المتفحمة على جانبي الطرقات، و تحولت المحال الصغيرة التي كانت تصطف على جانبيها إلى أكوام من الصفيح المحترق.”
كرستين تجهل أي مكان تقصد وكيف تحافظ على سلامتها وعلى من تلقي اللوم، بعد أن سمعت بأن مشار وسلفاكير دعيا للسلام: وتقول “إلا إنهم لا يستجيون –الجنود- إنهم لا يسمعون”!
”
وتبقى من دمار الحرب بضع تذكارات تحمل بصمات الضحايا من خصل شعر متناثرة وكتب وأدوات مدرسية مبعثرة وقطعاً من الملابس اندست وسط أكوام من أغلفة طلقات الرصاص التي حصدت أرواحهم وأحالت مدينتهم إلى حطام.
وتخشى كرستين أيضاً الذهاب إلى معسكرات اللجوء التابعة للأمم المتحدة بسبب الانقسامات العرقية التي أذكت الحرب الأهلية.
بعد فرار أعداد كبيرة من أبناء قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار إلى المعسكرات خوفاً من استهدافهم من قبل مجموعة الدينكا العرقية التي ينتمي إليها الرئيس سلفاكير ميارديت.
وتقول كرستين إنها تنتمي إلى منطقة الاستوائية والتي تضم العديد من المجموعات العرقية من المناطق الجنوبية في البلاد، ولذلك فإنها تخاف من أن تتعرض لسوء المعاملة من أبناء النوير.
إضافة إلى أنها لا تثق في حماية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ،فضلاً عن رعبها من الإصابة بمرض الكوليرا الذي انتشر في جوبا وبقية ولايات البلاد.
وتجهل كرستين أي مكان تقصد وكيف تحافظ على سلامتها وعلى من تلقي اللوم، بعد أن سمعت بأن مشار وسلفاكير دعيا للسلام:
وتقول “إلا إنهم لا يستجيون –الجنود- إنهم لا يسمعون”.!
شبكة الشروق
يتحقق السلام عندما يذهبوا أولاد قرنق من وش المشهد السياسي.