تحقيقات وتقارير

تبلغ أربعين رسماً ميناء بورتسودان.. جبايات سودانية في ثوب تركي .. (توجد رسوم غير قانونية) (2)

الموانئ البحرية: نقدم خدمات ولسنا المتسبب في ارتفاع الأسعار

مدير الجمارك السابق: وزارة المالية هي المسؤولة

اتحاد المخلّصين: توجد رسوم غير قانونية

للتعرف على عدد الرسوم التي تتحصلها الدولة من السلع الواردة عبر ست جهات حكومية وتلك التي تذهب لصالح شركات الملاحة والمخلصين الجمركيين و12 جهة أخرى، كان لزاماً علينا الاطلاع على أكثر من بوليصة شحن لسلع واردة مختلفة، وتكشف لنا أن الدولة سبب مباشر في حالة غلاء الأسعار الطاحنة، وذلك لأن أربعين رسماً يتم تحصيلها من معظم السلع الواردة بميناء بورتسودان ويتحمل كلفتها في النهاية المواطن، وقد اتضح لنا أنها تتراوح بين الـ30% إلى 200% من السعر الأساسي للسلعة الواردة من دولة المنشأ.

زياداة جمركية
خلصنا في الحلقة الأولى الى أن الرسوم التي يتم تحصيلها على السلع الورادة بميناء بورتسودان تتجاوز الأربعين رسماً، وأن بعضها لم يُجَز من قبل البرلمان، كما استعرضنا عددا من النماذج.. وفي حلقتنا هذه نسأل عن أسباب ارتفاع هذه الرسوم وعن المسؤول عن الزيادة المتواصلة في الأسعار، هنا نعود إلى الوراء، ونشير إلى أن وزارة المالية أصدرت في العام 2013 تعرفة جديدة للجمارك اعتبرها مخلصون جمركيون السبب المباشر في الزيادات التي طرأت على الأسعار بالإضافة إلى أنها شهدت زيادات خلال الفترة الأخيرة، وكانت الإدارة العامة للجمارك أصدرت أمراً تمت بموجبه زيادة فئات الضرائب والجمارك على الملبوسات والمشغولات والعربات والكبريت، ومواد البناء بجانب أدوات الزينة والدراجات الهوائية بنسبة 100%، وشملت عربات النقل بزيادة الضرائب على عربات نقل الركاب أقل من (1000) سي، سي، بنسبة (90)%، وأكثر من (1000) سي، سي ولا تتجاوز الـ(1500) سي سي بنسبة (100)%، أما العربات التي تصل لأكثر من (1500) سي سي وأقل من (3000) سي سي بنسبة (100)، وطالت الزيادات الأجهزة الكهربائية والموسيقية بنسبة تتراوح بين 10% إلى 20%، وكذلك الجملونات والحديد والسيخ والكمر.

تعديل
وعدلت الجمارك فئة رسم الوارد على عدد من السلع منها، لبن البودرة بنسبة (25)%، فول عريض و(فول مصري) بنسبة (40)%، وشملت ذات النسبة إطارات السيارات، الأخشاب، مصنوعات السلال، المكانس الكهربائية، الأجهزة الكهربائية المنزلية، الفوط الصحية وحافظات أطفال، أدوات مائدة ومطبخ من حديد، بالإضافة الى مصنوعات الألمونيوم، الفلفل، الفانيليا، القرفة، القرنفل، اليانسون، الفواكه والبطيخ والشمام، الصلصة والأناناس، وتم تطبيق زيادة 20% على عدد من الواردات منها الشاي والبن، والصلصة ومحضرة وتوابل مركبة ودقيق خردل محضر، حساء ومرق ومحضرات إعدادها، ومحضرات غذائية مركبة متجانسة، أورنيش ولماع (20)%، ألعاب نارية وقذائف الآثار، كبريت، أحذية، من المصنوعات الجلدية، مصنوعات اسمنت أو خرسانة من حجر، وغيرها من واردات.

فقدان عملات حرة
وهنا أيضًا نشير إلى أنه ومن الرسوم التي تضاعف من زيادة تكلفة الواردات ما يعرف برسوم الأرضيات التي تتحصلها شركات النقل البحري والموانئ على الحاويات التي تتجاوز فترة السماح لبقائها داخل الميناء أو لدى المورد، وهي تتفاوت بين الواحد والعشرين يوماً والشهر، وأخطر ما في الأمر بخلاف أنها تزيد من تكلفة السلعة الواردة ومن ثم يقع العبء على المواطن، فإنها تكون سبباً مباشراً في فقدان البلاد عملات حرة تذهب لشركات الملاحة العالمية، والتي تنال في الحاوية الواحدة ما بين 16 إلى 40 يورو يومياً في حالة تأخير الحاوية “أربعين قدماً”، أما الحاوية 20 قدماً فتتراوح غرامة تأخيرها ما بين الثمانية إلى ستة عشر ألف يورو، وتفرض هيئة الموانئ البحرية 150 جنيهاً في اليوم غرامة على الحاوية الواحدة كرسوم أرضيات، والأدهى والأمر ورغم أنها غرامة إلا أن القيمة المضافة أيضاً هنا موجودة حيث تنال الضرائب 17% من المورد، وحتى إذا كان سبب التأخير من الموانئ، فإن المورد مطالب بالدفع، وأخبرنا أحد المخلصين أن أيام العطل الرسمية تحسب عليهم كتأخير ويدفعون نظيرها غرامة أرضيات، “وقال هذا حرام شرعاً”، مشيراً إلى أن شركات الملاحة العالمية باتت تمول رسوم الخدمات المفروضة عليها من رسوم الأرضيات، وأن هذا يعني أنها لا تدخل إلى البلاد عملات حرة بل تشتري من السوق السوداء عبر وكلائها وتقوم بدفعها لهيئة الموانئ، وقال إن الأرضيات تمثل عبئاً إضافياً على الواردات، كاشفاً عن أن بعضها يصل إلى مليارات تفوق سعر السلعة الواردة.

لا توجد لائحة
هنا يبرز السؤال، هل الرسوم التي تتحصلها شركات الملاحة ببورتسودان كجهة أولى تستند على معايير ثابتة ولائحة مجازة من قبل وزارة المالية والمجلس الوطني، أم إنها تخضع لتقديراتها، يجيب على تساؤلنا هذا، رئيس اتحاد وكلاء التخليص عبد الله حسن عيسى، الذي ينفي وجود لائحة منظمة للعمل البحري تلزم شركات الملاحة برسوم محددة وتكلفة ثابتة، كاشفًا عن أن كل شركة تعمل منفردة عن الأخرى، ولا يوجد رابط بينها في قيمة وعدد الرسوم، وقال:” كل شركة شغاله علي كيفها”، وقال إن عدم وجود لائحة منظمة لعمل خطوط الملاحة والرسوم التي تتحصلها دفع اتحاد أصحاب العمل لرفع مذكرة إلى وزير المالية لإصدار لائحة تنظم العمل، وقال انهم كمخلصين يتفاجأون كثيراً بدخول رسوم جديدة أو تفاوتها من شركة الى أخرى، وأيضاًـ والحديث لعيسى ـ توجد رسوم غير محددة يشار إليها “بأخرى” وهذه لا يستطيع أحد معرفة طبيعتها وإلى أين تذهب، مؤكداً على أن غرفة التوكيلات الملاحية لا تملك الحق القانوني منفردة الذي يتيح لها تحديد الرسوم التي تتحصلها، مبدياً تخوفه من ابتعاد شركات الملاحة الكبرى عن التعامل مع السودان، وذلك لكثرة رسوم الخدمات. وقال إن الخطوط باتت تبحث عن الموانئ الجاذبة بقلة تكلفتها وسرعة شحنها وتفريغها، مؤكدًا أن كل الدول تطبق لائحة موحدة لرسوم خدمات خطوط الملاحة، مجدِّداً التأكيد على ضرورة إصدار لائحة من قبل وزارة العدل تنفذها هيئة الموانئ، وذلك لتحديد رسوم خطوط الملاحة، وأردف: لا يستطيع المورد تحديد تكلفة بضاعته وذلك لعدم وجود لائحة محددة تنظم عمل وكلاء البواخر، لأنه في كل مرة يجد رسوماً وأسعاراً مختلفة، مشدداً على أهمية تنظيم العمل الملاحي وذلك لأنه بات من المداخيل الهامة والمؤثرة للدول.

تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي
سألت مدير فرع شركة “سامورين” للملاحة بالسودان، وعضو غرفة التوكيلات الملاحية، عماد هارون، عن أسباب الرسوم المتعددة التي تتحصلها شركات الملاحة، وعن مدى قانونيتها، فأكد قانونيتها، مستنداً على وجود تعرفة ثابتة تحدد عدد الرسوم وقيمتها، وقال إن غرفتهم هي التي أصدرتها، معتبراً اعتراف الدولة بالغرفة والموافقة عليها من قبل رئيس الجمهورية والمجلس الوطني يمنحها صفة الجهة الاعتبارية التي يمكنها تحديد الرسوم، مبيناً أن أي عضو في الغرفة لا يلتزم بالتعرفة تسحب رخصته.

وبدا عماد هارون غاضباً ومتبرماً من اتهامهم بمضاعفة أعباء المواطن بالرسوم الكثيرة التي يفرضونها على الورادات، وقال: التجار يحددون أسعار السلع بما يتماشى مع سياسة التحرير التي أعلنتها الدولة، ويجنون من وراء ذلك أرباحًا طائلة، ولا يوجد من يسألهم عن أسباب ارتفاع الأسعار، فلماذا يحتجون حينما نحدد تعرفة لتنظيم العمل وانسيابه، هل يريدوننا أن نخسر ليربحوا هم، ويشير إلى أنه من قبل أفادنا والي الولاية السابق محمد طاهر إيلا باحتجاج اتحاد أصحاب العمل على التعرفة التي تتعامل بها خطوط الملاحة في نقل البضائع، فسألته ـ والحديث لعماد ـ هل يستطيع اتحاد العمل أن يلزم التجار بأسعار محددة في البيع للمواطنين، فأجاب الوالي بالنفي، وذلك استناداً على سياسة التحرير، “فقلت للأخ إيلا هل حلال عليهم أن يبيعوا بالأسعار التي يرونها مناسبة، وحرام علينا نحن حينما نحدد تعرفة لعملنا”، وتساءل هارون “أليس وكلاء خطوط البواخر جزء من الدولة”، وأردف: لماذا يتم إلزامنا بتعرفة محددة في ظل سياسة التحرير الاقتصادي، ولا يفرض هذا الأمر على الآخرين، كنت ومازلت من أنصار تحرير أسعار عملنا الملاحي، وذلك لأن المنافسة تصب في مصلحة المواطن، ويشدد هارون على أهمية تعميم سياسة التحرير على كل القطاعات الاقتصادية وألا يتم تطبيقها على وكلاء البواخر فيما يمارسها الموردون والتجار دون أن يحجر عليهم أحد، لافتاً الى أن المخلصين يطبقون سياسة التحرير لأن كل مخلص يعمل بسعر منفصل، وليست لهم تعرفة ثابتة، كاشفاً عن تعرض شركات خطوط الملاحة العاملة بالسودان لخسائر كبيرة جراء تراجع عملية الاستيراد والتصدير، مبينًا أن هذا الوضع وضعهم أمام خيارات صعبة طرحوها على الموظفين، تتمثل في تقليص العمالة أو إلغاء البدلات والحوافز.

ويعود مدير فرع شركة “سامورين” للملاحة عماد هارون ويؤكد على ضرورة تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي على كل الأنشطة التجارية والاقتصادية.

رسوم خدمات
إذن لنذهب إلى هيئة الموانئ البحرية، وفي تبريره للرسوم الكثيرة المفروضة على الواردات، يقول نائب مدير هيئة الموانئ البحرية نور الهدى الفكي الأمين إن الأموال التي يأخذونها عبارة عن أجور لخدمات تقدمها الموانئ، مشيراً في حديث لـ”الصيحة” إلى أنهم عقدوا مقارنة في عام 2004 بين الأجور التي تتحصلها هيئة الموانئ وتلك التي تفرضها الموانئ الإقليمية، وجدوا أن الأجور التي ينالونها هي الأقل، مبيناً أن الأجور تخضع لدراسة من قبل مختصين يحددونها بعد وضع تكاليف الخدمة المقدمة، مؤكداً أن هيئة الموانئ تهدف من وراء الأموال التي يتم تحصيلها إلى المحافظة على المكانة التي وصلت إليها الموانئ السودانية عبر المواكبة، والتحديث حتى تكون جاذبة خاصة على صعيد تجهيزات استقبال السفن، وقال إن هناك هامش ربح يستفاد منه أيضاً في عملية تطوير العمل بالموانئ، لافتاً إلى أن الموانئ في دول العالم الثالث تعتبر من الموارد التي ترفد الموازنة العامة للدولة، موضحاً أن الخدمة التي يقدمونها تتمثل في المناولة والتخزين، مؤكداً أن ميناء بورتسودان هو الوحيد في المنطقة الذي يمنح فترة سماح 15 يوماً للتخزين، وأن الأرضيات عبارة عن غرامة تفرض لتقليل بقاء الحاويات داخل حوش الميناء، وقال إن هذا ساعد في تجاوز مشكلة التكدس.

الجمارك في قفص الاتهام
إذن الجمارك هي السبب ـ هكذا تبادر إلى أذهاننا ـ إلا أن مديرها السابق الفريق صلاح علي الشيخ، ينفي مسؤولية الجمارك في ارتفاع رسوم تخليص الواردات، ويشير في حديث لـ”الصيحة” إلى أن الجمارك تنفذ سياسات وزارة المالية الاتحادية المتعلقة بالرسوم المفروضة على الواردات، وتلك التي تستهدف الحد من استيراد بعض السلع عبر رفع رسومها أو تشجيع أخرى بتخفيض ما تتحصله الجمارك، وقال إن الجمارك لا تملك سلطات زيادة أو نقصان الرسوم التي تتحصلها على الورادات وإنها جهة تنوب عن وزارة المالية في التحصيل، قاطعًا بأن الرسوم الجمركية إذا وصلت إلى مرحلة أن تكون 900% فإن الجمارك ليست مسؤولة، مؤكداً أن الرسوم المفروضة على الوارد لا يتم تحصيلها خبط عشواء بل ترتكز على تقييم من نوعين نسبي ونوعي، وقال إن الأول يتمثل في وجود نسبة مئوية تتحصل من قيمة بعض السلع، وأن النوعي يتمثل في التي يتم إخضاعها للوزن، معتقداً أن المشكلة الأساسية تكمن في أن بعض الموردين لا يقدمون فواتير حقيقية، وذلك حتى يتحصلوا على جمارك منخفضة على وارداتهم، وقال إن الإشكالية الأخرى تتمثل في أن السلع الواردة تنتج في دول مختلفة بطريقة مخيفة لذلك تتفاوت أسعارها ونوعيتها، لافتاً إلى أن القانون أتاح للذي يرى أنه تضرر من تقييم الجمارك إمكانية الطعن في القرار حتى في المحاكم المدنية، إلا أن الشيخ يعترف برفض البعض المضي في هذا الطريق، وذلك لأنه يستغرق زمناً طويلاً تكون فيه السلعة الواردة مثار التقاضي قد فقدت صلاحيتها، ويؤكد الشيخ أن الحل النهائي للشكاوى من ارتفاع قيمة الجمارك يتمثل في زيادة واردات البلاد مثلما كانت في الماضي، وذلك لأنها تدر موارد مالية جيدة تسهم في تخفيض رسوم الجمارك.

المواطن يدفع الثمن
كل جهة تبعد كرة مسؤولية الرسوم الكثيرة المفروضة على سلع الوارد بعيداً عن ملعبها، ولكن الواقع يؤكد أنها مشتركة في زيادة العبء على المواطن البسيط الذي يتحمل في نهاية الأمر التكلفة، ولكن أكثر ما يثير التعجب وجود رسوم غير مجازة من الحكومة الاتحادية والبرلمان، علاوة على تحصيل عدد من الجهات ذات الخدمة المتشابهة مثل المواصفات والحجر الزراعي والصحي وغيرهم لرسوم باهظة لخدمة يمكن أن تؤديها جهة واحدة.

بصفة عامة فإن الرسوم التي يتم تحصيلها في الموانئ لم تتسبب في ارتفاع الأسعار وحسب، بل ألقت بظلالها السالبة على الإنتاج الصناعي والزراعي، فمتى تتحرك الدولة لغنقاذ ما يمكن إنقاذه.

بورتسودان: صديق رمضان
صحيفة الصيحة

تعليق واحد

  1. والله حيرتونا ياصحفيين، يااخي سؤالك الاخير ده ماله داعي لانك تعرف والكل يعرف ان الدولة اساسا لاتفكر ولا تنوي انقاذ شئ سوى الكراسي والمناصب والمكاسب، لو سمحت غير السؤال وما توجع قلبنا.