صمتت صافرة الحرب.. نيالا الآن مدينة تنام في وادي الارتياح
مثل التي تحاول أن تخلع عنها رداء طالما أثقل ظهرها وكمن يريد أن يغير وجهه فيصبغة بلون آخر غير السواد.. لا تكتفي فاتنة الغرب نيالا بأن تمشي الهوينى على وجل بل تمضي مسرعة محاولة اللحاق بما فاتها يخاطبها الوادي الذي يشقها قائلاً “الحزن لا يليق بك”.
في الوادي تبدو الحياة مختلفة عن تلك التي تتبادر للأذهان المدينة الأولى في دارفور التي صارت بين غفلة وانتباهة دارا للموت تخطو بثبات في اتجاه انتزاع حياتها الجديدة مثلما يشتهي أهلها بمختلف ألوانهم وسحناتهم وباتفاقهم على أن السلام هو ما يريدونه في أيامهم المقبلات.
تنتظر المدينة عطلتها من أجل أن تلتقي في قلب الوادي النابع من جبل مرة يحمل مياهه وهي تحمل كل ما تجده في طريقها يبدو حميماً جداً مع الناس هناك هي ذات الحميمية التي تدفع الكل إليها تكاد أصوات الركشات تصبح البديل الموضوعي لأصوات الرصاص وهي تفرغ حمولتها من الناس هناك شبابا وصغارا ورجالا ونساء وفتيات في مقتبل العمر يجالسون فرحتهم ويداعبون ما تبقى من الماء ويبنون من الرمال مدائن فرحتهم غير القابلة للسقوط.
في الوادي يمكنك أن تقرأ الوجه الآخر والوجه الحقيقي للمدينة، يقول أحد المواطنين: ما من مكان غيره يمكننا أن نذهب إليه هو المتنفس الوحيد هنا يمكنك أن تعيش وتعايش الارتياح. وعلى جانبي الجسر على مد البصر يمكنك أن تشاهد الوادي والجالسين في قلبه من مواطني نيالا وهم ينطقون بصوت السلام.
تتجمع الأسر في مدينة نيالا في الوادي بينما يختار آخرون دفع قيمة الدخول إلى منتزه المدينة الرئيس في غابة النيل فيما يعيش الصغار حالة من البشر وهم يغوصون داخل الرمال.. يتبادل الشباب لعب الورق وهم ينتظرون حظهم في أرض بلا موت، هناك يمكن للكرة الطائرة أن تمضي من يد الفتى إلى يد الفتاة وتترك المساحة الخالية لتملأها الابتسامة المارقة من الأعماق بينما يكتفي ذلك الصغير بمداعبة كرته حمراء اللون دون أن ينسى حقه في تبتبة أحلامه بحروف محجوب شريف واقفاً في محطة (ما يعكر صفو الجو صفارة حرب تنعم بالسمع الشم والشوف وأغاني الحب).
وحده الظلام يعيد المستمتعين بجو الوادي إلى منازلهم حيث لا توجد كهرباء في ذلك المكان لكن الكهرباء سيأتي يومها ما يتمناه الناس هناك فقط ألا يعود ظلام الموت ليحلق مرة أخرى في شوارع المدينة
اليوم التالي