قصة الشاعر الشاب الفيلسوف والمؤامرة الغامضة
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
لا يكاد إنسان اكتوى من أهله وأقاربه وعبّر عن مضاضته وألمه بالشعر، أكثر من الشاعر طرفة بن العبد قائل هذه الأبيات وصاحب المعلقة الشهيرة، التي تعتبر واحدة من أكثر المعلقات السبع فلسفة في شؤون الحياة وحكمتها، مع العلم أن صاحبها مات في سن السادسة والعشرين، وهي المفارقة التي تكشف أن الحكمة لا تعني عدد السنوات والعمر، بقدر ما تعني الخبرة والمرارة والأوجاع التي يعيشها الإنسان.ولد طرفة مطلع العقد الخامس من القرن السادس الميلادي، ومات قبل مولد النبي بخمس سنوات تقريباً، ورغم أنه وريث عائلة كبيرة من بني بكر، إلا أن وفاة والده المبكرة انعكست عليه سلبا لتبدأ معاناته مع الأقارب الذين لم يرث منهم سوى شاعريتهم، ليصبح أشهر منهم في قول الشعر.
ويبدو أنهم أحسوا منه ذكاء مبكرا فآثروا أن يبعدوه مطمعا في المال والثروة، لكنه كسب الخلود في التاريخ، فالمال ذاهب، في حين بقيت نصاعة بيانه إلى اليوم، وقد قرر حياة مختلفة قائمة على الثورة والرفض، هي التي صنعت له المجد.وفي البداية وهو صغير لم يعِ بعد، تربى طرفة مع أعمامه الذين أساؤوا له كثيرا وأكلوا وِرثه عن أبيه، وهو ما صوّره في معلقته الشهيرة لاحقا، كما اضطهدوا أمه كذلك.وبهذا فإن طرفة بمجرد أن تفتّح وعيه على العالم، صار يعيش حالة اللامنتمي، أي ذلك الإنسان الرافض لكل ما حوله، الباحث عن ملذاته وحياته الخاصة جدا، لا يجد نفسه سوى بالسفر والتنقل والملذات والشراب، حيث سافر من أطراف المحرق (البحرين حاليا) إلى أطراف جزيرة العرب، وقد أكسبه التنقل والحياة الطليقة خبرة بأحوال الناس والوجود.وله شقيق اسمه معبد، لم يقف معه هو الآخر، فقد رأى فيه لاهيا وليس مسؤولا، لا يقدر على صيانة الإبل والمرعى، وربما كان الأمر غير ذلك من مؤامرة الإرث والتغول على حقوق الأخ الشقيق، والإحساس بالنقص أمام إنسان أعمق وعيا بالوجود.
صحيفة التيار