زهير السراج

فرعون أم درمان !!


* هجمت محلية أم درمان مدعومة بشرطة النظام العام المدججة بالسلاح، على الأكشاك في بعض المناطق مثل (الهجرة وأبوروف وودنوباوي)، وقامت بتدميرها وإزالتها بشراسة غير عادية وكأنها أصيبت بمس من الجنون، أو لديها (تار بايت) مع أصحاب الأكشاك الذين روعوا أول أمس بهجوم شرس على أكشاكهم ومصدر كسبهم وقوت عيالهم، لم يستند على أي قانون، ولم يراع أي أخلاق أو ضمير، أو إنسانية، ولم يسبقه حتى إخطار أو إنذار سابق ولو قبل يوم واحد، حسبما تنص القوانين وتحتم الأعراف وحقوق المواطنة؟!
* من يسمع هذه القصة، أو يرى الأكشاك مدمرة وملقية على الأرض وبجانبها يجلس أصحابها البسطاء وهم يضعون ايديهم على رؤوسهم من الحزن والهم، يظن أن الذي أصدر القرار بتدمير هذه الأكشاك، فرعون أو صاحب إقطاعية يملك كل شئ في إقطاعيته بما في ذلك الناس أنفسهم، وليس مجرد موظف حكومي، مهما كان نوع وظيفته والياً أو معتمداً أو أي مسؤول آخر، يحصل على مرتبه وامتيازات الوظيفة التي يشغلها من مال الشعب ليخدم الشعب، ويلتزم إلتزاماً كاملاً بحدود وظيفته، ويعمل داخل إطار مسؤولياته بدون أن يتجاوزها، وإلا استحق الفصل من الوظيفة والعقاب الرادع!!
* عندما حدث الهجوم الوحشي هُرع بعض اصحاب الاكشاك الى محلية ام درمان ليفهموا ما يحدث، فلم يجدوا مسؤولاً واحدا يُزل حيرتهم ويُجب على اسئلتهم، فالمعتمد (مجدي عبدالعزير) لم يكن موجوداً بمكتبه، وكذلك المدير التنفيذي للمحلية، ولم يفتح الله على بقية الموظفين بكلمة واحدة لتفسير الهجوم وكأنه سر حربي، أو تابو مقدس، لا يجوز الكلام فيه إلا بواسطة صاحب العصمة نفسه أو بإذن منه، وعندما يئسوا وعادوا الى مواقعهم، وجدوا أكشاكهم مدمرة وملقاة على الأرض وكأن قدم جبار ضخم قد وطأتها!!
* تخيلوا هذا الظلم الفاحش .. أن يكون مصير مواطن لم يرتكب خطأ أو جناية، أو يعتدي على مال الدولة، أو يسرق أو يختلس ثم يتحلل كما يفعل السادة، بل يسدد كل إلتزماته تجاه الدولة من رسوم وضرائب وجبايات، بالمليم وفي الموعد المحدد ..إلخ، تدمير مصدر رزقه الوحيد الذي لا يملك غيره، والذي يقيم أود عياله، وتشريده هائماً على وجهه في غمضة عين، وبدون أي ذنب!!
* كل هذه الأكشاك التي مر على بعضها عشرات السنين، تم الحصول عليها بالطرق القانونية، بعد اتباع كافة الاجراءات وسداد كل الإلتزامات المالية، ومعظمها مملوك لأشخاص في المعاش، أو نسوة يعُلن أسرهن، أو أصحاب حاجات خاصة، ..إلخ، ظلوا كلهم بلا استثناء ملتزمين إلتزاماً كاملاً بكل ما فرضته عليهم الدولة من شروط ومواصفات ورسوم ..إلخ في أوقات مختلفة، آخرها قبل خمسة أعوام عندما فرضت السلطات المحلية مواصفات جديدة للأكشاك مثل الموقع والشكل واللون، فالتزم بها الجميع رغم العبء المالي الكبير الذي وقع عليهم، كما ظلوا يسددون الإيجار المتفق عليه، فما الذي يجعل المحلية او أية جهة أخرى تصدر قراراً بإزالتها وتدميرها وقطع أرزاق اصحابها، بدون إمهالهم الوقت الذي يكفله لهم القانون ليجدوا البديل، وتدبير امر معايشهم، بل حتى بدون إخطارهم، ومعاملتهم كبني آدمين؟!
* أي عدل هذا وأي قانون، وأي أخلاق وأي رجولة، وأي سلطة، مهما كانت مطلقة، أو فاسدة أو ظالمة، تبيح ارتكاب مثل هذا الفعل الإجرامي الظالم، ومعاملة الناس وكأنهم مجرد عبيد لا قيمة لهم إلا بقدر ما يقدمون من خدمة لأسيادهم، وإذا عجزوا عن القيام بعملهم كان مصيرهم رصاصة في الرأس، كحصان السواري عندما يشيخ؟!

* الى متى تظل السلطة تنهش في جسد الشعب المسكين الصابر، والى متى يسكت الناس على هذا الظلم ؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة


تعليق واحد