جدلية الفقه والقانون حول أخوان الرضاعة ما لهم وما عليهم
منها الزواج والإرث وإرضاع الكبير
ـــ شيخ “الحكيم”: إذا اكتشف الزوجان إنهما إخوة من الرضاعة يفرق بينهما فوراً من غير طلاق
ـــ دراسة علمية.. إذا تزوج أخ من أخته في الرضاعة فستظهر نتائجه السيئة على أبنائهما
قانوني: أسباب الإرث المتفق والمختلف عليها أن ليس من بينها الرضاع
ـــ الأزمة النفسية تستمر مع الزوج والزوجة إلى ما بعد الانفصال
حدث في إحدى قرى الشمالية أن سيدة وإبان فترة وضوعها أصيبت بمرض الملاريا الذي حال دون إرضاعها لطفلها، فما كان من جدته لأمه إلا أن حملته لخالته، وقد كان لديها طفل رضيع، فأخذت ابن شقيقتها وأرضعته مع صغيرها إلى أن تماثلت أمه للشفاء. مرت الأيام وتوالت السنين، وتوفيت الجدة، ونسي أهل المنطقة القصة باعتبارها في حكم العادي، بيد إنها انتفضت فجأة وبرزت إلى السطح عندما طلب “هيثم” وهو ذاك الطفل الذي رضع من ثدي خالته أم “نجوى”. طلب من والدته أن تزوجه من ابنة خالته “نجوى” عندها وقعت (الفاس في الرأس) وقد ألقمها حجراً، وأسقط في حجرها، وهو ما لم يكن في الحسبان، بأن يطلب الأخ أخته في الرضاعة التي لم يتملكا ناصية حقيقتها، عندها لم يكن في وسعها سوى إخبارهما بالحقيقة التي نزلت عليهما كالصاعقة مسببة لهم الأذى النفسي والروحي.
ما بتكون لأختك خطيب
حكى أحدهم تفاصيل الرواية الواقعية للشاعر “علي الخضر” ، فدلق عليها من عيون خياله الشعري، وصورها تصويراً جميلاً يحكي فصولها، يجسد واقعها، الذي حاول بثه للعامة فقال: هيثم أحكيلكم حكايتو قولي صِح ما فيهو ريبة/ قصتو المشهورة كانت حاصلة قبل سنين قريبة/ تبدأ بي مشوار عواطف بي قلوب مليانة طيبة/ وريدة في عمق المشاعر كل يوم يزداد لهيبة/ نجوى بت خالتو الوحيدة ريدته أصبح مبتليبه. إلى قوله
أنا من زمان خايفاهو قلبك ريدة البت يمتليبه/ إلا ياهيثم جنايا خالتك أنت رضع حليبه/ وفي الشرع تبقالك أختك ومابتكون لي أختك خطيبة.
فبحكم العاطفة مضافاً إليها أسباب عملية تقتضي الرضاع ربما حدثت في بعض الأسر أحداث مماثلة والأنكى أن تكون بلغت حد الزواج بسبب طمس الحقيقة عن قصد أو دونه، لكون أن كبار السن الذين كانوا يستسهلون أمر الرضاعة دون توثيق ولا يعلمون عن مآلاته وعواقبه الجسيمة على الأسر والمجتمع. وغير ذلك من الملابسات المفضية لكثير من التداعيات، ولأهميته وخطورة التهاون به أصبحت دخل في بند الحرمة، فضلاً عن عدد من النواحي الفقهية والقانونية تناولنا شقا منها في المساحة التالية إلى جانب الأسباب العلمية لحرمة زواج أخوان الرضاع.
مسوغات للأخوة من الرضاعة
جدل فقهي كثير يدور حول أخوان الرضاعة ما لهم وما عليهم، وتتعلق به أمور كثيرة تحوم حولها الشبهات، وللوقوف على بعض من جوانب الموضوع فقهياً احتكمنا إلى الشيخ “محمد هاشم الحكيم” فقال: أن الرضاعة تكون في وقت الإرضاع عند فصاله في عامين وفقاً للحديث (إنما الرضاعة ما أنبت اللحم الصغير)، وقد جعل الله عز وجل من المحارم (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) ودار جدل في فتوى إرضاع الكبير وقد أذن (ص) لآل أبي حذيفة أن يرضعوا سالم الذي تربى معهم لكي لا يتحرجوا من الدخول عليهم، (ربما تم حلبه). وبحسبه يرى جمهور العلماء أنها كانت حالة خاصة وشذ البعض فعممها وقال: متى ما كان رجل يدخل على أسرة يمكن أرضاعه فيدخل عليهم، وهو محل نظر ويرجح أن المفسدة فيه أكبر من المصلحة .
ومضى (الحكيم) بقوله كل طفل رضع خمس رضعات مشبعات على أرجح الأحوال، كما في الحديث الصحيح، فيما يرى المالكية أن رضعة واحدة تحرم ليصبح الطفل ابناً، وزوجها (صاحب اللبن) يصبح أباً له، وأبناء المرضعة وأبناء زوجها أخوان له، وأخوان الأم أخوالهم، وأخوان الأب أعمامهم، وقال (ص) : (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب).
نكاح شبهة
واستطرد “الحكيم” أن المعضلة تكمن في اكتشاف الزوجان وبعد أن يصبح لديهما أبناء، إنهم إخوة من الرضاعة (أرضعتهم أم واحدة) سواءً أكانت أم الزوج أو الزوجة أو أي امرأة أخرى، فعندئذ يفرق بينهما فوراً من غير طلاق، ويلحق الأبناء بهما نسباً ويرثا ويورثا لأنه نكاح شبهة. وقد جئ إلى النبي (ص) بزوجين ادعت عجوز أنها أرضعتهما ففرق (ص) بينهما فقالا: يا رسول الله تفرق بيننا بقول عجوز لا ندري أكذبت أم صدقت؟ قال (ص) : كيف وقد قالت ! لذلك أخذ العلماء بقول المرضعة كشهادة، وفي هذا رد على من ادعى أن الإسلام أضعف شهادة المرأة.
وأردف الشيخ ” محمد هاشم” مذكراً بأنه ينبغي على الإخوة من الرضاعة أثناء فترة المراهقة والبلوغ وأن كان يحل لهم الدخول على الأسرة إلا أنه يجب التعامل بحذر سداً للذرائع لأنهما ليسا كالأشقاء، كما ينبغي على النساء المرضعات أخذ الأذن من الزوج وإعلام الأسر حتى لا تحدث إشكالات مستقبلاً .
أسباب علمية
قدمت إحدى الطالبات “سلوان نهاد جودة” بحث عن السبب العلمي لحرمة زواج الأخوة من الرضاعة من أم أجنبية. وجاء فيه أن رضاعة الطفل من غير الأم التي ولدته تكسبه أخوة ليس بالمعنى السطحي إنما في أمور لها أصل في العلم، وقد أثبت عملياً أن اللبن الذي يرضعه الجنين من صدر أمه يحتوي على خلايا جذعية هي المسؤولة عن إكسابهم صفة الأخوة.
وتوضح جودة أن الخلايا الجذعية الموجودة في حليب الرضاعة تجعل هناك صفات مشتركة بين الأخوة لأنها تساعد في انتقال العوامل الوراثية والمناعية من حليب الأم أو المرضعة إلى الطفل الرضيع عبر اختراقها لخلاياه واندماجها مع جيناته.
وحيث أن الجهاز المناعي للطفل الرضيع المولود حديثاً لا يكون مكتمل النضوج فهذا يساعده في أن لا يتعرف على حليب الأم على أنه جسم غريب، بالإضافة إلى ذلك فإن الجهاز الهضمي عنده يساعده على اختراق الخلايا الجذعية حالها حال الأجهزة الأخرى في الجسم التي لا يكتمل نضوجها إلا بعد أشهر وسنوات من الولادة.
وقالت: إن الحكمة من تحريم الزواج من أخوة الرضاعة تكمن في وجود مواد تستحث وهذه المواد حساسة لا يظهر أثرها على الرضيع، ولكن لو تزوج أخته من خلال الرضاعة فستظهر نتائجه السيئة في أبنائهم، مشيرة إلى أن التشابه الباطن لا يلزم أن يكون حدث في كل أخ من الرضاعة، بل نسبة جيدة يمكن أن تثبت عليها النظرية.
الإرث في القانون
مسألة إخوان الرضاع شرعية وليست قانونية وأن الكلمة الفصل فيها لفتوى العلماء وليست من باب القضاء، لكن ” المجهر” استعانت بالقانوني
الأستاذ “أسعد الطيب العباسي” لمعرفة جواز الإرث بالرضاعة فقال: إن أسبابه معلومة ومحددة في الشرع منها ما أجمع عليه العلماء وهي ثلاثة:عقد الزوجية والقرابة والولاء العتق، مضيفاً أن هناك أسباب أخرى اختلف فيها العلماء. هي الموالاة والمعاقدة وإسلامه على يديه الالتقاط جهة الإسلام بمعنى أن بيت المال يرث من ليس له وارث ويتضح من خلال أسباب الإرث المتفق عليها والمختلف عليها أن ليس من بينها الرضاع، فمن ماتت وليس لها وارث فإن مالها يذهب إلى بيت مال المسلمين ولا يستحق ميراثها ابنها من الرضاع.
تداعيات نفسية
وبحسب الدراسات النفسية فإن الأزمة النفسية تستمر مع الزوج والزوجة إلى ما بعد الانفصال، أيضاً تحدث ردة فعل سلبية تؤدي إلى انتكاسات عقلية وكراهية للمجتمع وقلق اجتماعي في ظل تساؤلات من المجتمع عن حقيقة الانفصال، كما أن الحالة قد تمتد وتؤدي لحدوث رهاب اجتماعي يصل إلى (30 %) عند الرجال و(50 %) عند النساء، وحدوثه قد يكون قليلاً، لكن آثاره النفسية والاجتماعية مقلقة، وفوق كل ذلك يكمن خطر الانفصال على الأولاد، إذ يسبب لهم هذا الأمر ضياعاً وفراغاً عاطفياً وفشلاً في الدراسة، سيما إذا حدثت انتكاسة بين الأبوين بحيث لا يستطيع أحدهما أن يرى الآخر والابتعاد الكلي، رغم إخوتهما بالرضاع.
دراسة لابد منها
وفي السياق طالب الرأي العام بضرورة دراسة الحالات دراسة كافية من قبل الجهات المختصة، سواءً أكانت شرعية أم قضائية أم اجتماعية، ومعرفة مدى انتشارها في المجتمع والحلول اللازمة لمواجهتها.
تحقيق : أمل أبو القاسم
صحيفة المجهر السياسي