حلم .. في ليلة غير سعيدة !!؟
في المساء ، وبعد ليلة قضيتها في محاولة لإيجاد وسيلة مواصلات تقلني إلى المنزل،.. ومساككة ما بين موقف جاكسون.. والاستاد.. حشرت نفسي مع الحاشرين والمحشورين في حافلة صغيرة. . اتجهت بنا إلى شرق النيل.. والكل في حالة صمت.. وإرهاق…زادهم (رهقاً) أن مسجل السيارة كان يبعث ويبث لفتاة تصاحبها موسيقى كأنها بقايا (دق) صفائح وطشاطة.. وأيادي (هون) من الذي يستخدم في دق البهارات..!!
* كانت الأغنية تقول بذلك الصوت المشروخ.. إنشراخ..ذلك (المشروع).. حبيبي رسل لي رصيد ..لأنو بكره الدنيا عيد ..بنتلاقى وأخليك سعيد ..وبلبس ليك فستاني الجديد .. والجديد يا حبيبي دايماً شديد .. وكمية في الموسيقى في غاية الأزعاج طيرت (النعاس) من العين … ابتسمت وأنا أحدق خارج الحافلة..خوفاً ان تفوتني المحطة..
*إرهاق شديد.. تناولت غداءً وعشاءً.. مع بعض واستلقيت على السرير أفكر .. وأنا أنظر إلى تلك السماء الرائعة..المرصعة بالنجوم..وكانت غفوة..!!
* وأنا أركب بجوار صديقي (عباس دلاقين) على سيارته الأمجاد.. النظيفة لأول مرة.. هو في أبهى حلله.. آخر أناقلة.. ( حاشي) القميص داخل البنطلون تشتم من جسده رائحة عطر باريسي فاخر.. والسيارة تتهادى بنا في وسط شارع الجمهورية بعد العاشرة مساءً، المحلات مكتظة بالزبائن والناس في مقهى السعادة.. الشوارع نظيفة جداً، والإضاءة الباهرة.. تجعل الليل نهاراً ..وصديقي هادئ الطباع يلقي بالنكات.. وتبدو عليه ( آثار) التهذيب..!!
* دخلنا (يمين) في شارع القصر.. الملكة فكتوريا كان أكثر جمالاً وإضاءةً وروعة هناك حديقة ذات عطر فواح ينبعث في أشجارها وورودها ..وأزاهيرها ..بعض الأسر مع أطفالهم يقضون وقتاً ممتعاً..وسط موسيقى تنبعث من بعض المحلات داخل الحديقة نفسها..(كان زمان) هذا المكان يسمى ميدان أبو جنزير.
* طلبت من صديقي ..أن يتوقف قليلاً بجوار سينما كلوزيوم..كان هناك صف طويل من الشباب أمام شباك التذاكر..وهم يمنون النفس بمشاهدة آخر إصدارات ( هوليود) للنجم (ماريون براندو) في فيلمه الشهيد (العراب) The god Father
*الشباب كانوا في منتهى الأدب .. والاحترام .. منظمين وأنيقين في ملابس جميلة تنبئ عن ذوق رفيع متابع لصيحات الموضة . الباريسية والايطالية ..!!
صدقي ابتسم ممازحاً وقال .. أول مرة تقترح حاجة جميلة .. أوقف السيارة في موقف نظيف أمام السينما .. يحرسه شرطي مرور .. تعامل معنا بابتسامة وذوق وفن في التعامل الراقي .. حسب تعليمات إدارته بضرورة التعامل الراقي مع المواطنين .. خصوصاً أصحاب السيارات .. خاصة الأجرة وخاصة الأمجادات .. شكرناه ودخلنا السينما .. والغريب ولأول مرة أن صديقي هذا .. أدخل يده في جيبه وأخرج ثمن التذاكر دون أن يسبني أو يسخط ..!! كما أيضاً (عزمني) على حاجة باردة من كافتيريا العرض بالداخل .. وهي أيضاً نظيفة .. وأنيقة .. والناس كلهم سعداء .. والدنيا أول شهر .. وصارفين الماهية .. ولا عجب أن الجنيه صار يساوي (١٥) دولار أمريكي ..!!
*أنتهى الفيلم بكل المتعة .. قال صديقي .. مش أحسن من الصرمحة في شارع النيل .. وتلك المناظر المؤذية .. وكمان بكرة عازمك المسرح القومي لمشاهدة مسرحية (هاشم صديق) الجديدة .. ابتسمت .. الخرطوم فعلاً عادت لها أيامها الخوالي .. الجميلة ..!؟!
*حتى أفعل .. شيئاً .. واتخلص من (سلاطة) لسانه .. عزمته على عشاء فاخر .. في مطعم (كوبا كابانا) الشهير .. شواء وسلطات متنوعة .. وحاجات باااردة .. أكلنا .. وكان يأكل بفكه المفترس طحناً وتمذيقاً .. بعد أن ترك (الصعوط) منذ فترة طويلة ..؟!
*وبكل تهذيب الدنيا .. عدنا إلى المنزل .. أنزلني أمام البيت .. دون سخرية .. إلا أن الطبع قد يغلب التطبع أحياناً كثيرة .. صاح بصوته الجهوري .. أظن أن الجيران سمعوه .. بكرة عازمك المسرح القومي .. ما تنسى أن شاء الله .. أساتذة جنكم (ملح) ..!!
*سارعت إلى دخول المنزل .. وجدت (المدام) والأولاد يضحكون ..!؟!
*صحيت فجأة من هذه الغفوة اللذيذة .. والمدام تطلب مني أن أقوم و أدخل (الأوضة) وأغير ملابسي .. وأبطل الهضربة .. والضحك حتى أثناء النوم ..!!
*قمت وغيرت الملابس .. وتذكرت أن الخرطوم ما زالت كما هي .. مدينة قذرة .. منذ أكثر من ربع قرن …؟ تنعدم فيها كل الخدمات الأساسية ..!؟
*و إن (الحتات) كلها .. كلها .. كلها .. باعوها ..!!؟
مفارقات – صلاح أحمد عبدالله
صحيفة الجريدة