المدعو المواطن
يبدو أن المواطن السوداني المسكين يأتي في ذيل قائمة اهتمامات العديد من الجهات الخدمية، والمعلوم أن كلمة (مواطن) هذه لا نطلقها إلا على الكادحين الغلابة، فقد ارتبطت بهم دون سواهم وإطلاقها مجردة بالضرورة يجعل صورته وحده بشكله البائس وهمومه المتلاحقة هو الذي يتبادر إلى الأذهان.
فحيثما سمعت هذه الكلمة لم أتخيل سوى أحد الراجلين البسطاء المثقلين بالحاجة والقلقين من الغد المجهول، حتى أنني أربأ بهذه الكلمة عن أن ترتبط برأسمالي أو دستوري أو مقتدر أو رجل سياسة وأعمال.
* وهذا ما يجعلنا نؤكد ما ذهبنا إليه، فالمذكورون أعلاه من غير ذوي الحاجة – ما لم تكن حاجاتهم الخاصة – لا يحتاجون للوقوف في (طوابير) الانتظار لإنهاء معاملاتهم الحكومية ولا يتعرضون لكدر موظفي الدولة ووجوههم الحالكة المكفهرة، لأن أمورهم جميعها تقضى على عجل وباهتمام كبير من دون أن يتكبدوا حتى مشقة الحضور! فنحن شعب نستمتع بممارسة الإذعان لسطوة السلطة والثروة حتى وإن لم تعد علينا بالفائدة المباشرة.
أقول هذا وفي خاطري الرتابة القميئة التي تمارسها المحليات في خدمة المواطن! رغم أن الغرض الأساسي من قيامها كجهات لتنفيذ الحكم المحلي وتقديم الخدمات اللازمة للمناطق والأفراد يتمثل في جعل المواطن الهدف الرئيس لعملها. ولكن هيهات.. فها هي تشوه المنظر العام وتشيع الإضرار هنا وهناك.
والمدعو المواطن يرزح تحت وطأة اللامبالاة والاستهتار. وكأن أولئك القائمين على العمل التنفيذي بالمحليات قد طلب منهم التلكؤ قدر الإمكان في إنهاء المعاملات وتقديم العون والتوجيه.
فهم دائماً غير موجودين في مواقعهم التنفيذية.. ودائماً غير مقتنعين بما يأتيهم به المواطن من طلبات أو مقترحات.. ودائماً على استعداد للتهاون والتراخي والتغاضي عما يتعلق بصحته ومنافعه، ويتبدى ذلك جلياً في ما نراه من تردٍ في خدمات النظافة وصحة البيئة في أماكن بيع الأطعمة والخضروات والفاكهة! فهناك يمكن لعدد من ضباط الصحة التغاضي عن العديد من الملاحظات التي نصت عليها اللائحة صوناً لصحة المواطن، والسكوت على بعض التجاوزات التي من شأنها التأثير على حياته من دون أن يشعر أحدهم بالذنب وكأن الأمر لا يعنيه، علماً بأن الدائرة لابد أن تدور عليه فليس هناك من هو بعيد عن مثل هكذا ضرر.
* الأمر نفسه ينطبق على الجهات المنوط بها الإشراف على المواصفات والمقاييس في طول البلاد وعرضها بكل لجانها المتخصصة والفرعية والمنبثقة والمراد منها تفقد كل صغيرة وكبيرة تهم المواطن في حياته اليومية بكل تفاصيلها. فما هي طبيعة عملها تحديداً إذا كانت البضائع الفاسدة تغزو الأسواق, والملابس المبتذلة تملأ المتاجر, واللعب المسرطنة تغازل الأطفال, والأجهزة الكهربائية لا تكترث كثيراً لعمر ضمانها الافتراضي؟!!!!
البنات والأولاد الذين حاصرناهم يوماً بقبح المظهر العام ألقوا بعض اللائمة على المتاح من الأزياء في الأسواق عموماً.. والتجار الذين اتهمناهم بالمتاجرة في صحتنا وسلامتنا قالوا إنهم يتاجرون في البضائع المصرح بها. والسمنة النباتية الفاسدة التي انتهت مدتها مثلا يستوردها رجل أعمال كبير وتتكتم الجهات المعنية على الخبر, وتحل القضية بوضع ديباجة جديدة على العلب بتاريخ حديث للإنتاج وتوزع على مصانع البسكويت وأجدني في حيرة بين منع أبنائي منه كوجبة أساسية توافق الإمكانيات يرافقها الشاي مساءً وبين احتمال ان تكون مصنعة بتلك السمنة فيبدأ السرطان في بناء مستعمراته داخل أجسادهم الصغيرة منذ الآن.. والعياذ بالله.
* عزيزتي الحكومة الموقره بوزاراتها المتعددة ومجالسها المتنوعة ولجانها وآلياتها وبراعتها المفرطة في رفع الدعم .. هل نما لعلمك أن المواطن المغلوب على أمره الذي يسارع للحشد والتصويت حالما طلب منه ذلك لا يعني الكثيرين من أصحاب القرار والنفوذ والإمكانيات؟.. إن كان ذلك قد نما لعلمك وعجزتِ عن تداركه فهي مصيبة.. وإن لم ينمُ ولم تعلميه فتلك مصيبه أشد وأنكى!!!.. والله المستعان.
* تلويح:
وفي الحالتين يبقى المدعو المواطن.. ضااايع!!
داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي