الطيب مصطفى

سيدي الرئيس.. نحن في انتظار مقدِمِك لتصحيح المسار


دهشت بل صعقت أن تعلّق قناة أم درمان الفضائية بثّها وتوقف من هيئة البث بحجة عدم شرعيتها وأن تتلقّى قناة (سودانية 24) إنذاراً مزمجراً، وعجبت أكثر أن يحدث ذلك في هذه الأيام التي تشهد تضييقاً غير مسبوق على الحريّات الصحافية رغم أجواء الحوار الذي ينتظر شعبنا الصابر، ريعه وثماره على أحر من الجمر .

نعم، لقد دهشت أن يحدث ذلك لقناة الأستاذ حسين خوجلي الذي تم انتقاؤه بدقة، لاعتبارات معلومة، من بين آخرين، ليُجري قبل أسابيع قليلة حواراً مثيراً مع السيد رئيس الجمهورية وأن يتزامن قرار وقف القناة مع أحداث العصيان المدني الذي ملأت أخباره الدُّنيا وشغلت الناس داخل السودان وخارجه.

والله العظيم إني لمشفق من ردود الفعل الحكومية والتدابير الأمنية الغريبة التي تتعامل بها السلطات المختصة هذه الأيام، خائضةً بها الحرب على نفسها بأكثر مما تفعل المعارضة الساعية إلى إسقاط النظام، وكثيراً ما أتساءل هل هذه الحكومة مصابة بمس من الجن أو السحر يجعلها تسعى، من غير أن تدري، إلى حتفها بظلفها بما يشبه الانتحار؟.

ما الذي يدفع بعض أطراف الحكومة يا تُرى وبدون أدنى سبب معقول لتأليب الشعب عليها ولا أقصد تلك القرارات الاقتصادية الكارثية فحسب بما فيها ذلك القرار المجنون بتحديد أسعار فلكية للدواء إنما أقصد ما يجري من استعداء غريب لكل الوسط الصحافي؟. ماذا تكسب الحكومة من استعداء رجل في وزن ومكانة حسين خوجلي كان حتى قبل يوم من إيقاف قناته في صفّها بعد أن تناسى، بخُلق نبيل عرف به من قديم، كل ما أصابه من أذى في أوقات سابقة؟ ما الذي يجعل السلطات تفقد تعاطف كل الصحافيين بمن فيهم أنصارها في اتحاد الصحافيين أو مجلس الصحافة والمطبوعات الذي لا أجد وصفاً لأعضائه أفضل من عبارة (مريَّسين ومتيَّسين)؟! أسالوا عالمنا النحرير بروف علي شمو الذي كان على رأس مجلس الصحافة.. هل ترك منصبه راضياً؟ بل اسألوا الرزيقي رئيس اتحاد الصحافيين وأعضاء اتحاده هل هم راضون عما يُفعَل بهم وبالمهنة التي لا تتنفس إلا بالحريات أم مُحرَجون لا يدرون ما يفعلون؟! اجروا استطلاع رأي وسط الآلاف من الصحافيين والإعلاميين لتعلموا حقيقة مشاعرهم وهم يروْن ما تتعرض له مهنتهم وصحفهم وقنواتهم من تضييق وحملات انتقامية .

كنا نضيق ذرعاً بالرقابة القبلية التي يمارسها علينا ضباط أمن أصغر من أبنائنا يصحِّحون ما نكتب ويشطبون ويعدِّلون ويحذفون ولكننا اليوم نحِنُّ إلى تلك الأيام النَّحِسات حيث تُصادَر صحفنا في المطبعة بعد التأكد من انتهاء الطباعة، إمعاناً في الأذى وقطعاً للأرزاق مع الحرمان من ريع الإعلان بالرغم من أن قراراً صدر بقصر الإعلان الحكومي على الصحف الموالية المُسبِّحة بحمد الحكومة بعد أن استصدرت فتوى (شرعية!) تُجيز للسلطات التحكم في المال الحكومي بحيث لا يُمنح إلا للموالين أما المعارضون أو المحايدون فإنه لا يحل لهم أن يطعموا من مال الحكومة وبالتالي فإن تلك الفتوى، في رأيي، تمنح الحكومة الحق في تقديم خدمات الكهرباء والمياه والتعليم والصحة وغيرها للموالين أما الآخرون من المواطنين فإنهم لا يستحقون غير الموت الزؤام!!!

بالله عليكم أية شرعة وأي قانون أو دستور أو أخلاق تمنح الحق في مصادرة الصحف بعد الطباعة وماذا يرى وزير العدل الذي هو مفتي الحكومة في من يمارس قطع الطريق ويفرض الغرامة القسرية بعيداً عن القضاء وماذا يرى برلمان الشعب الذي لا أزال أثق في دين وعدل رئيسه بروف إبراهيم أحمد عمر؟!

أين يقع ذلك في فقه دولة المشروع الحضاري التي تتخذ من الصديق أبي بكر ومن الفاروق عمر نماذج تُحتذى وهما يزأران مخاطبين رعيّتهما من أصحاب رسول الله (أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم)؟!

أين يقع هذا في فقه الحركة الإسلامية، وصحيفتا (الوان) و(الراية) تستخدمان خلال الديمقراطية الأخيرة قبل حكم (الإنقاذ) كل أسلحة الدمار الشامل للفتك بحكومة السيد الصادق المهدي الديمقراطية الشرعية وتتهكَّمان وتسخران من الحكومة ووزرائها بدون أن تتعرّضا لكلمة تأنيب ناهيك عن الإيقاف والمصادرة؟!

أول أمس اتصل بي الأستاذ ماهر أبوجوخ للمشاركة في برنامج سياسي على الهواء بقناة (سودانية 24) يقدمه الأستاذ الطاهر حسن التوم لكنه اتصل مرة أخرى قبل نحو ساعتين من بداية البرنامج ليعتذر لي ويقول إن الظرف السياسي لا يسمح بالكلام في السياسة وتم استبدال البرنامج الذي غاب عنه الطاهر حسن التوم ولا أدري هل يعود مرةً أخرى أم نترحّم عليه وعلى الطاهر؟!

كثير من (الخرمجة) التي حدثت تمت في غياب الرئيس الذي لا يزال خارج البلاد وإنّا لننتظره على أحرِّ من الجمر لتصحيح المسار .

لم أتحدث عن مخرجات الحوار ولا عن الدستور والحريات الصحافية فلا يزال الوعد مقطوعاً من الرئيس شخصياً بأن المخرجات لن تُمسّ وأنها ستنفذ بالحرف بالرغم من (اللولوة) التي قرأتُ عنها من لجنة دكتورة بدرية سليمان حول تعديلات دستورية محتملة لكني أثق في أن الرئيس وقد جزم أمام المؤتمر العام وأمام الرؤساء الأجانب الذين شهدوا المؤتمر وأمام الشعب ثم قبل ذلك كله أمام الله رب العالمين.. أثق أنه سيوفي بالعهد ويومها سنشهد عهداً جديداً يستدبر كل الظلم الحائق بنا.. يومها سننطلق إلى مربع جديد من خلال مرحلة انتقالية يعقبها تحوُّل ديمقراطي يضع السودان في مسار الحكم الراشد ويصبح كل ما شكونا منه اليوم ذكريات أليمة نتحدث عنها باعتبارها كابوساً مزعجاً لن يتكرر فيما تبقى من أيام.

صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. يا باشمهندس ياتو يوم إبن أختك أوفى بوعد، وياتو يوم نفذت قراراته خاصة التي جاءت لصالح الشعب، وياتو يوم سأل عن عدم تنفيذها. أبشرك بأن حضوره وغيابه لن يغير شئ.