الطيب مصطفى

عندما يتسع الخرق على الراتق


ظللنا نحذر وننذر ونصرخ بأن بلادنا تتعرض لأخطار كبرى ومتعددة .. سياسية واقتصادية واجتماعية في مناخ عالمي معاد ومحيط إقليمي مأزوم نرى شرره المتطاير يحدق فينا ويتحرش بنا من خلال ثقوب جدرنا المتهالكة ومن خلال هشاشة بنياتنا الاجتماعية المرزوءة بالعصبيات القبلية والجهوية والمكلومة بحروب داحس والغبراء المشتعلة كل حين بين مكوناتنا الاجتماعية الهشة.

من بين تلك الأخطار المحدقة بنا ذلك الغزو الثقافي والأخلاقي الذي يشن علينا من خلال التطور التقني الذي لا أحد يعلم ما ستتمخض عنه ثورته المتسارعة خلال العقدين القادمين فقد غيّرت وسائط التواصل الاجتماعي حياتنا وأعجب حين أرى التغيير الذي طرأ على حياة أطفالنا وشبابنا الذين باتوا يمضون جزءاً كبيراً من اوقاتهم بين تطبيقات الموبايل والكومبيوتر بل أن من بشارك في عدد محدود من (قروبات) الواتساب يكتشف أن وقته ما عاد مملوكاً له فقد باتت التقنية تسرق أعمارنا من حيث ندري أو لا ندري وتتحكم في أوقاتنا وتقتحم غرفنا الخاصة وتشاركنا في تربية أطفالنا الذين أضحى ما يمضونه من وقت في تصفح تطبيقات وسائط التواصل أكبر مما يقضونه مع والديهم ومع بعضهم بعضاً وكثيراً ما تذكرت ، وأنا أتامل الإحاطة التي فرضت علينا بتلك الوسائط ، الآية القرانية الكريمة وهي تصف حال المؤمنين وهم محاصرون من قبل مشركي مكة في غزوة الخندق 🙁 إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) ..لقد جاءتنا التقنية من جهات ومواطن أكثر مما صورته الآية الكريمة وبتحديات وأخطار أفظع وأشد فتكاً بالأخلاق فقد غزانا الغرب بثقافته الإباحية من خلال تلك الوسائط سيما وقد أصبحنا منطقة ضغط منخفض تهب علينا رياح التغريب من مناطق الضغط العالي بإنتاجها الوفير عبر هذه التقنيات الخطيرة.

كلما تحركت كتائب أمن المجتمع لتفحص مقاهي الانترنت تكتشف مخالفات غريبة وأفلام وفيديوهات وتطبيقات إباحية يكون شبابنا من طلاب الثانوي والجامعة وغيرهم هم ضحاياها وللأسف فإن تلك الحملات المتقطعة المتباعدة من حيث الزمن لا تكفي كما أن حجب المواقع الإباحية لم يعد بذات الكفاءة التي كان عليها قبل أن يتسع الخرق على الراتق.

إذن فإن هذا الخطر الداهم الذي يتهددنا ويزاحمنا في تنشئة إطفالنا يقتحم دورنا وخصوصياتنا بدون استئذان إلا من رقابة يفرضها الإباء ولا تفلح الجدر في صده أو منع عبوره إلينا داخل غرفنا فالموبايل لا غنى عنه في حياتنا كالسيارة التي لا يمنع تحولها أحيانا ، رغم أنوفنا ، إلى أداة قتل من استخدامها وسيلة نقل.

قرأت تقريراً رائعاً في صحيفة (السوداني) حول حيل إخفاء المخدرات فكان أول ما فعلت أن دعوت لشرطة أمن المجتمع التي تواجه تحدياً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.. دعوت لها أن يكون الله في عونها.

تخيلوا أن تهرب بودرة مخدرات في شحنات بامبرز أطفال وشحنة أخرى لحبوب مخدرة في شواحن هواتف محمولة وشحنة كوكايين في حافظات شاي وحبوب مخدرة داخل باسطة شامية و(13) مليون حبة مخدرات داخل حاوية محملة بالذرة الشامية وحبوب مخدرة داخل خراطيش رافعات هايدروليك وأقراص داخل جوارب.

معظم وربما كل هذه الشحنات جاءت في الغالب من لبنان وقام بتهريبها أجانب بالتعاون مع سودانيين وفيهم أحياناً نظاميون.

نكثر من الحديث عن أخطار الحروب وننسى أنها تفتح الحدود لمصائب ومشكلات لا حصر لها ولا عد ومن بينها تهريب المخدرات والممنوعات الأخرى مثل الخمور .

يبدو لي أن الحملات التي شنتها الصحافة للتصدي لبعض الجرائم البشعة مثل اغتصاب الأطفال نجحت في تشديد العقوبة ولكن انتشار المخدرات بما فيها (الخرشة) التي تستخدمها كثير من (ستات الشاي) لم تحظ بالاهتمام اللازم وإذا كانت بعض الدول تواجه الإتجار في المخدرات بعقوبة الإعدام فإننا نحتاج إلى أن نحذو حذوها ذلك أنه من الصعب كبح جماح التجار الذين يلجؤون إلى أساليب يصعب كشفها ولا أشك أن ما يعثر عليه لا يمثل غير نسبة ضئيلة جداً مما يخترق إجراءاتنا الأمنية الضعيفة.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات