الطيب مصطفى

الطريق الثالث بين الرمضاء والنار (2-3)

عقدنا بالأمس مقارنة بين خياري الرمضاء والنار.. رمضاء الإنقاذ التي أذاقت الشعب صنوفاً من التضييق بعد أن ذهبت الوعود التي قطعتها على نفسها أدراج الرياح وجرَّعت وطننا الغالي من خطل سياساتها وعوار وبؤس أدائها وبين نار المتوحشين ولوردات الحرب الذين كان لهم ولحروبهم التي أشعلوها ولتآمرهم مع الأعداء القدح المعلى في التخلف الذي حاق بالسودان والبؤس الذي عانى منه مواطنوه.

وقلنا إنه من الخطأ أن نركن إلى الخيارين السيء والأسوأ فذلك شأن العاجزين، ولكن دعونا نذكِّر ببعض الحقائق التي ينبغي أن نعلمها ونضعها في الاعتبار قبل أن نمضي إلى شرح الخيار البديل.

أود أن أسال أولئك الشباب الذين لا أشك في وطنيتهم وإخلاصهم حين بادروا بإطلاق حملة العصيان المدني ليحملوا الحكومة على إلغاء قراراتها الاقتصادية المستفزة والقاسية والخاطئة وليعبِّروا عن غضبهم من الحال البائس الذي ساءهم أن يبلغه وطنهم العزيز بالرغم من أنهم لم يُلبِسوا عصيانهم أو يمنحوه أي ثوب أو لون سياسي.. هل تثقون في من ركبوا موجة عصيانكم وامتطوه وادعوا أنهم أحق به وأهله من متوحِّشي الجبهة الثورية والحركات الدارفورية المسلحة والقوى اليسارية والعلمانية ممن أعلنوا أن هدفهم من العصيان هو إسقاط النظام؟ هل تملكون أيها الشباب السلاح كما يملكه هؤلاء الذين لا يزالون يرفعونه بالرغم من أنهم مهزومون في ميدان القتال وهل بربكم سيضعونه حين يسقط النظام وتصبح الخرطوم جاهزة لينقض عليها من يملك القوة لاستلامها؟!

هل نسيتم ما فعله هؤلاء العنصريون بمناطق “هجليج” و”أبو كرشولا” و”الله كريم” وهل نسيتم مشروع السودان الجديد الاستئصالي الذي رأينا نماذج شتى من حروبه وأحقاده من خلال ما اقترفته الحركة الشعبية (لتحرير السودان) من جرائم وموبقات منذ أن أشعل الهالك قرنق حربه العنصرية اللعينة على السودان؟

من ركبوا موجة العصيان الآن ودبجوا إعلانات التأييد والمؤازرة هم الذين لا يزالون يحملون السلاح بمن فيهم الجبهة الثورية والحركات الدارفورية المسلحة فبالله عليكم ماذا تتوقعون أن يفعل حملة السلاح يوم سقوط الحكومة وحدوث فراغ دستوري في السودان غير احتلال الخرطوم واستباحتها واستعباد شعبها والتنكيل بمواطنيها وسلب وطننا الغالي الأمن والأمان النسبي الذي ينعم به الآن؟

أقولها بملء فيَّ محذراً ومنذراً ومُبرقاً ومرعداً: يا ويل السودان إذا سقطت الحكومة بكل بلاويها ومصائبها وفسادها وطغيانها في أيدي هؤلاء.

أود أن أذكر أنه إذا كانت حركة العدل والمساواة قد أعملت سلاحها في رفقاء السلاح الذين قاتلوا معها لمجرد أنهم وقَّعوا اتفاق سلام مع الحكومة فقتلت عشرة منهم، فيهم محمد بشر وأركو ضحية وأسرت عشرات منهم لمدة قاربت الأربع سنوات فماذا تفعل مع غرمائها وبأهل الخرطوم يوم سقوط النظام؟ أسألوا إبراهيم زريبة والطيب خميس والعشرات غيرهم من الذين سجنتهم الحركة لا لسبب إلا لأنهم ارتضوا السلام ووضعوا السلاح يحدثونكم عما فعلته الحركة التي انتموا إليها والتي لطالما قاتلوا في سبيل نصرتها وأكلوا مع قادتها الملح والملاح .

أود أن أذكر أن من يتوعدنا بفتح الخرطوم يوم سقوط النظام سيكون ذلك الحاقد والعنصري البغيض عبد الواحد محمد أحمد نور الذي فتح مكاتبه في إسرائيل وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد فيا ويل الخرطوم من هؤلاء المتوحشين الذين لم يتورعوا من بيع أنفسهم كمرتزقة يقتلون ويسلبون وينهبون في كل من ليبيا ودولة جنوب السودان لقاء حفنة من الدولارات فهل تساندون عصياناً مدنياً امتطاه هؤلاء المتوحشون وأرادوه مطيَّة لحكم السودان بقوة السلاح؟ هل تثقون في هؤلاء الذين لا ينظرون إلى الدنيا إلا من ثقوب أنفسهم الأمَّارة بالسوء؟!.. أُناسٌ يخوضون معارك كمرتزقة في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل فيقتلون كما يتنفسون ويزهقون الأنفس التي حرَّم الله إلا بالحق خارج بلادهم نظير مال يتقاضونه من مستأجريهم فأي دين وأي أخلاق وأي مبادئ تحكم هؤلاء لنسلمهم رقابنا ونخوض تحت رايتهم معركة إسقاط النظام حتى يحيلوا السودان إلى خراب أبشع من ذلك الذي يخيم على سوريا والعراق والصومال.. ماذا عساهم أن يفعلوا يوم سقوط النظام بشعب السودان المجرد من السلاح؟!

صدقوني أن السودان الذي كثيراً ما تشتعل فيه المعارك الطاحنة الشبيهة بحروب داحس والغبراء بين بطون القبيلة الواحدة أكثر هشاشة من أن نجازف بإلقائه في تهلكة الفتنة التي يدعو إليها من يعملون على إنجاح العصيان المدني ليحكمونا بالحديد والنار.. فشتان شتان بين العراق تحت الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين رغم جبروته وطغيانه وبين عراق اليوم الممزق والمضطرب والمقتول أهله والمشرد نساؤه وأطفاله.

رغم ذلك فإني أعود للخيار البديل بين التعيس والأتعس وبين الرمضاء والنار لأؤكد أننا لن نرتضى أيَّاً من الخيارين البائسين.. خيار العصيان المدني بكل ما ينطوي عليه من أخطار كارثية أو خيار الإنقاذ بكل عجرها وبجرها وبضاعتها المزجاة إنما سنسلك طريقاً ثالثاً يجنبنا مآلات الخيارين الآخرين.

لقد اخترنا طريقاً ثالثاً أكثر أماناً لوطننا، راجين أن ينتظم فيه الجميع وسأستفيض في شرحه غداً بمشيئة الله تعالى.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

تعليق واحد