الطيب مصطفى

الطريق الثالث بين الرمضاء والنار(3-3)

قلت في مقال الأمس إننا نرفض الخيارين البائسين .. خيار المجهول الذي يدعونا إليه من يعملون على إسقاط النظام من خلال العصيان المدني أو الانتفاضة أو غيرهما من الوسائل حتى لو أفضى ذلك إلى هاوية سحيقة لا نعلم القاع الذي ستنتهي إليه أو خيار الحكومة الحالية بكل ما أوقعتنا فيه من فقر وتضييق واحتقان سياسي وتخلف اقتصادي وحروب قعدت ببلادنا وعطلت مسيرتها بين الأمم.

الخيار البديل الذي ندعو إليه هو أن ترتضي الحكومة وحزبها الحاكم التغيير الذي تتوافق عليه القوى السياسية جميعها من خلال حوار وطني سلمي ينقل بلادنا إلى بر الأمان نحو نظام ديمقراطي يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب السوداني بعيداً عن الحروب التي لم تورثنا سوى الدماء والدموع والدمار والخراب.

رغم ما ارتكبوه من جرائم منكرة في حق الوطن جراء خروجهم المسلح على سلطان الدولة أقول إن من حق الممانعين من حملة البندقية ومن غيرهم من المغاضبين الذين تملأ صدورهم جبال من (الغبينة) ويحول بينهم وبين الانخراط في الحوار دخان كثيف من الشكوك التي أفرزها تاريخ محتشد بالصراع والتباغض والتنازع .. من حق هؤلاء جميعاً أن يقدم لهم مهر الدخول في عملية التراضي الوطني ولا أتردد في أن أطلب إلى السيد رئيس الجمهورية ، باعتباره صاحب السلطة والولاية الكبرى والمسؤولية الوطنية والأخلاقية والكسب الأكبر من أي إنجاز يعطر به حياته السياسية ، أن يبذل في سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل والكبير كل مرتخص وغال فما أعظم ما حققه الزعيم الجنوب الافريقي نيلسون مانديلا وهو يعفو ويصفح عمن قهروه واستعبدوه وشعبه المظلوم ليضع اسمه في سجل الخلود السياسي على مستوى العالم أجمع.

صحيح أن أهل السلطة لهم حججهم التي كثيراً ما يدفعون بها إلى طاولة التفاوض أو ينثرونها عبر إعلامهم لكني والله مقتنع تماماً أن كنانتهم تحمل الكثير مما يمكن أن يعجل بتيسير عملية التوافق بدءا من القول اللين الذي أمر الله تعالى كليم الله موسى عليه السلام بأن يبذله للطاغية فرعون بكل ما أوتي من كبر وصلف وعنجهية رغم كل ما فعله ببني إسرائيل مما حفلت به آي القرآن الكريم وذلك عوضاً عن عبارات التجريم والتخوين والتهكم والسخرية وانتهاء بما يمكن أن يكسر الكثير من المتاريس المنتصبة أمام الأنفس الشح بفعل ركام التغابن والتشاكس السياسي وبما يعيد الثقة المفقودة.

إن أهم ما يمكن أن يسهم في التعجيل بتضميد الجراح وكسر الحواجز منصوص عليه من قديم في خارطة الطريق التي وضعتها لجنة (7+7) عقب تكوينها لأول مرة بعد الدعوة الأولى لما سمي بحوار الوثبة في يناير 2014 وقد نص على ذلك في إجراءات تهيئة المناخ التي تم الانقلاب عليها كما أن مخرجات الحوار الوطني لم تغفل عن ذات الإجراءات الكفيلة بتطمين الممانعين ودفعهم للانخراط في التراضي السياسي نحو الحل المنشود فهلا أقدمنا بإرادة صلبة وعزم لا يلين على إنفاذ تلك المخرجات بحذافيرها؟

أقولها بملء فيّ ، بدون أن تأخذني في ذلك لومة لائم : إن الحوار لا يزال منقوصاً وسأكون حزيناً لو مضينا نحو تكوين حكومة الوفاق الوطني بدون أن نستصحب الإمام الصادق المهدي وحركات دارفور (جبريل ومناوي) ولا أقول عرمان وعقار أو (مستر نو ) عبدالواحد .. ذلك أن الهدف الأسمى من الحوار أن تتوقف الحرب ولا أظن صديقي العزيز د. أمين حسن عمر يختلف معي فهلا بذل د.أمين في سبيل ذلك الهدف الغالي حتى ينقل الحوار الوطني إلى محطة جديدة تقربنا من الهدف النهائي؟

ليت الإمام الصادق المهدي الذي كان يناصح الترابي قبل أن ينتصر الشيخ ، صاحب القلب الكبير ، على نفسه وسخائمه ، وينسى كل ما فعله به تلاميذه ، كان يناصحه بعبارة : (من فش غبينتو خرب مدينتو) ، ليته يتناسى غبينته ويعود إلى السودان مهما كانت العقبات فوالله إن وجوده بالداخل يعجل بحل الأزمة الوطنية وسيشكّل أداة ضغط نحتاج إليها في سبيل تحقيق الهدف المنشود.

أقول في الختام وأردد أن الأمر كله بيد الرئيس الذي أرجو أن يختار لنفسه مكاناً لائقاً به في سجلات التاريخ.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

‫4 تعليقات

  1. الباشمهندس الطيب مصطفى، رغم أنك ذكرت الكثير من الحقائق والمقترحات الجيدة، لكن هناك مشكلة يشعر بها أغلب الشعب السوداني، وهي المصيبة الأكبر والأهم والتي لا يريد أن يعترف بها جميع السياسيين حكومة ومعارضة، ألا وهي عدم ثقة الشعب في جميع أحزاب الساحة السياسية الحالية بل وصل الحال إلى اليأس من أنها تقدم أو ستقدم شيئً. الحقيقة الماثلة أمامنا ومن خلال إطلاعنا على آراء الكثيرين في الشارع لا أحد يثق بالأحزاب السياسية الحالية كلها. عليه مهما قدمت من حلول أو مقترحات سواءً إنبثقت من الحكومة أو المعارضة فهي بالنسبة للإنسان السوداني العادي حبر على ورق ولن تلبي طموحه لانه ينظر بعين الشك والريبة في أن كل ما يقدم من حلول ومقترحات من قبل السياسيين السودانيين هدقها الأوحد هو الوصول لقسمة من كيكة الحكم، وبالتالي الحصول على منافع شخصية خاصة وفي محيط ضيق جداً لا يتعدى النفس والأقربون من الرحم. اللهم دبر الشعب السوداني المغلوب على أمره أحسن تدبير يخرجه من هذا الضيق والمسغبة، وأنزل علينا رحمتك يارب العالمين. أستغفر الله العطيم الحليم الكريم التواب الرحيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أتوب إليه. إخواني توبوا واستغفروا لعل الله يرحمنا برحمته.

    1. والله صدقت يا أبا أحمد … فقد خيّب الباشمهندس رجاءنا إذ كنا نتابع كتاباته متلهفين لمعرفة كنه الطريق الثالث الذي بشرنا به … فإذا به يعيدنا تارة أخرى إلى (جحر الحية)!! … إن الطريق الثالث الذي نريده يا باشمندس ليس طريق المؤتمر الوطني وحكومته الفاسدة … ولا الأجزاب التي عفا عليها الزمن ….. ولا طريق (المتوحشين) الذين يتربصون حتى تسنح لهم الفرصة للإنقضاض علينا … الطريق الثالث الذي نريده يتمثل في تشكيل حكومة كفاءات من الشباب المتعلم غير المرتهن لسياسة هذا الحزب أو ذاك … شباب كل همه وشغله العمل على رفعة السودان وانتشاله من الوضع الذي آل إليه … ألا يوجد من الملايين من شباب السودان المخلص من يقوم بهذه المهمة؟ … نريد مؤسسات مستقلة لا تأخذها في الحق لومة لائم (برلمان يقيم الدنيا ويقعدها … جهاز قضائي مستقل وفعال … إلغاء للقوانين التي (تحلل) أكل أموال الشعب … جهاز فعال لمحاربة الفساد والمفسدين وتقديمهم للعدالة ….وبالمناسبة هل سمعتم أن أحداً من سارقي قوت الشعب ودوائه وإهدار مقدراته قد تم تقديمه للمحاكمة؟…. فهل ما نطلبه يا سادتي ممكن أم هو أضغاث أحلام؟
      كفى … كفى …. كفى … فقد بلغ السيلُ الزبى.

  2. —– وأردد أن الأمر كله بيد الرئيس — !!!!!!
    يا سبحان الله – فقد أصبح أمرنا و سلامة بلدنا فى يد هذا الارعن الاحمق الكريه … والله أنه لبأس الحال …

  3. استاذنا المهندس …
    يكتب ما يكتبه و الصدق يتدفق من بين تلك السطور ….
    لأن احساسه بأن هناك خلل ما يحركه ليفعل الصواب……
    التغيير يبدأ بمثل هذه المراجعات …
    اما قول البعض ان لا احزاب …
    وان الشعب يئس منها…
    فهذا نتاج للعمل الإعلامي المكثف للحركة الإسلامية….
    لتجعل من نفسها الحزب الاوحد الذي ينافس نفسه بنفسه…
    وللأسف أن هذه الخديعة قد انطلت على الغالبية دون وعي …
    وهو امر غير صحيح تماماً…
    و ستثبت الايام كذبه…..