منوعات

البدناء يعانون في العثور على وظائف

بعد أن سُرحت شافون باتريس أوينز من وظيفتها لدى شركة “كومكاست” لخدمة القنوات التلفزيونية الخاصة، نجحت أخيرا في الحصول على وظيفة جديدة في مركز لرعاية الأطفال في مدينة “هنتسفيل” بولاية ألاباما الأمريكية.

كان ذلك في العام الماضي عندما أوصى أحد أصدقائها بتوظيفها في ذلك المركز. وعندما ذهبت أوينز لإجراء مقابلة التوظيف، قُدّمت إلى الأطفال والعاملين في المركز ليتعرفوا عليها.

أجرت أوينز بعد ذلك العديد من المكالمات الهاتفية بالمركز دون أن تحصل على أي رد. وتقول: “عملت من قبل في مركز للرعاية اليومية بالأطفال، وكنت مؤهلة للحصول على هذه الوظيفة، ولكنهم أخبروا صديقي أنهم لن يوظفونني لأنني بدينة”.

يبلغ طول أوينز ستة أقدام تقريبا، وتزن أكثر من 227 كيلوغراما. وخلال المقابلة، كانت قد أكدّت لممثلي الشركة أنها قادرة، على الرغم من وزنها، على الجلوس بسهولة على الأرض والتعامل مع الأطفال.

حتى عندما يكون البدناء قادرين على أداء أعمالهم بكفاءة، فإنهم يواجهون التمييز بشكل روتيني في أماكن العمل. ورغم أن التمييز الموجّه ضد العاملين، بسبب الجنس أو العمر أو العِرق أو الدين أو التوجّه الجنسي أو الإعاقات البدنية، أصبح غير قانوني في عدد متزايد من البلدان، بما فيها المملكة المتحدة، إلا أن العديد من الشركات والمؤسسات لا تزال ترى أنه من العادي تماماً تسريح، أو رفض توظيف، الأشخاص البدناء.

وتقول إنريكا راغز، الاستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة نورث كارولينا بمدينة تشارلوت: “البدانة هي قطعا إحدى الوصمات القليلة التي لا نزال نعتقد إنه من المعتاد التمييز بناء عليها. ومن المثير للاهتمام أنها لا تزال وصمة منتشرة لدى الناس مع أن كثيرين في الولايات المتحدة بدناء.”

الشخص البدين يجد صعوبة في الحصول على وظيفة حتى إذا كان مؤهلا لأداء مهام العمل، بحسب الدراسة
تحديد الخط الفاصل

تُعرّف البدانة عموما بزيادة ‘مؤشر كتلة الجسم’ عن النقطة 30، أما البدانة المَرَضية فهي تجاوز ‘مؤشر كتلة الجسم’ عن النقطة 40. ويُقاس مؤشر كتلة الجسم بتقسيم الوزن بالكيلوغرامات على مربع الطول بالأمتار. ويُعتبر الوزن مثاليا عندما يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين النقطة 18.5 و 24.9.

وغالبا ما يسيء أرباب العمل تقدير إمكانات وقدرات البدناء، ويفترضون أنه يصعب عليهم التعامل مع مهمات صعبة أو العمل لساعات طويلة دون تعب. وقد يكون بعض الأشخاص البدناء في الحقيقة أقوياء جدا ويتمتعون بمستويات تحمّل عالية. وتقول أبيغيل ساغوي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجيليس ومؤلفة كتاب “ما هي مشاكل الدهون”، إنه “ينبغي تقييم الشخص ذاته وليس افتراض أمر معين لكونه ضخم الجثة وليس قادرا على القيام بحركات معينة. بعض أصحاب الأجسام الضخمة يتمتعون بلياقة جيدة جدا، وهناك أشخاص يقعون ضمن فئة البدناء، ولكنهم يشاركون في ماراثونات للركض.”

وأجرت راغز دراسة لتحديد إذا كان الرجال البدناء يواجهون تمييزا في التعامل في متاجر التجزئة كمتقدمين للتوظيف أو زبائن. ذهب رجال بأوزان طبيعية أولا إلى بعض المتاجر، ثم ذهبوا إلى متاجر أخرى بعد أن ارتدوا ملابس تُظهرهم بأوزان مفرطة. وجدت راغز أن الرجال الذين بدوا بأوزان مفرطة لاقوا “تمييزا شخصيا”، مثل تعابير ضمنية تدل على التحيز ضدهم، وقابلهم العاملون بابتسامات وانتباه أقل، ووقفوا على مسافة بعيدة منهم، وحاولوا إنهاء المقابلة أسرع من الرجال غير البدناء.
الحال أسوأ للنساء

أظهرت بعض الدراسات أن النساء البدينات يلاقين تمييزا أكثر من الرجال البدناء. ووجد العلماء بجامعة “إكستر” البريطانية ما يدل على أن مجرد كون المرأة ذات وزن زائد يقلل من الفرص المتاحة أمامها في الحياة، بما فيها الحصول على راتب أقل. ودرس الباحثون 70 حالة وراثية متباينة ذات علاقة بمؤشر كتلة الجسم، من خلال الاستعانة ببيانات من 120 ألف مشارك في “البنك الحيوي للمملكة المتحدة”، ممن تراوحت أعمارهم بين 40 و 70 عاما.

ويقول تيم فرايلينغ، البروفيسور في علم الجينات البشرية إن “التباين الجيني الذي يجعل المرأة أكثر سمنة يجعلها أيضا أكثر فقرا”. واستنادا إلى هذه الدراسة، إذا كانت امرأة أكثر وزنا بمقدار 6.3 كيلوغرام لسبب يعود إلى جيناتها فقط، فإن راتبها السنوي سيكون أقل بمقدار 1500 جنيه استرليني (1867 دولار أمريكي) من امرأة أخرى أقل وزنا منها وبنفس الطول.

والنساء البدينات يعملن على الأرجح في وظائف تركّز على الأنشطة البدنية، مقارنة بغيرهن من النساء ذوات الوزن الأقل، مثل وظائف الرعاية في المنازل وتهيئة الطعام والعناية بالأطفال. ومن المرجح أنهن أقل حظا لتولّي مراكز وظيفية تتطلب التعامل مع عامة الناس، وفقا لدراسة أجرتها جينيفر بينيت شينال، الأستاذة المساعدة في مادة القانون بجامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية.

وعلاوة على ذلك، اكتشفت شينال وجود ما وصفته بأنه “غرامة بدانة” على رواتب البدينات مقارنة بالنساء ذوات الأوزان الأقل. وأحد أسباب ذلك هو أن الوظائف التي تتطلب القيام بالمزيد من المهمات الجسدية غالبا ما تمنح رواتب أقل من تلك التي تتطلب تعاملا أكثر مع الناس. لكن شينال وجدت أيضا أنه حتى عندما تحصل البدينات على وظائف تتضمن التعامل مع العملاء، فإنهن يحصلن على راتب أقل من النساء الأخريات.

وتقول: “يركّز المجتمع أكثر على مظهر النساء، لذا فإن إحدى التفسيرات المحتملة هي التمييز على أساس الرغبات والأذواق الشخصية”.

وأضافت شينال: “ربما يهتم أرباب العمل بأن زبائنهم يعتبرون السمنة أمر أقل قبولا للنساء مقارنة بالرجال، ويريدون إبقاء البدينات بعيدا عن الوظائف التي تتطلب تعاملا مع عامة الناس.”

التحيز ضد أصحاب الوزن المفرط لا يزال أمرا مقبولا لدى الكثيرين
الدعوة لإجراء تغيير

قدم “تحالف مبادرة البدانة”، ومقره في تامبا بولاية فلوريدا، دليلا لأرباب العمل في جميع أنحاء العالم بشأن التحيز على أساس الوزن في مواقع العمل، وسبل الحد من هذا التحيز. وعلى سبيل المثال، يحثّ التحالف الشركات على أن يكون التحيز تجاه وزن الجسم جزءا من برامج التنوع المعمول بها من بينها. ومن بين الإجراءات المقترحة إضافة “الوزن” إلى سياسات رفض التسلُط، وإجراء تدريب للمديرين المسؤولين عن التوظيف للتخلي عن الحساسية الشخصية إزاء هذه المسألة.

ويذكر ديفيد بريتمان، الذي كان بدينا خلال فترة طويلة من حياته، اليوم الذي ذهب فيه إلى تدريب حول التنوع في شركة للخدمات القانونية، تحدثت فيه نساء أمريكيات من أصل كوري وأفريقي، كنّ يُدرن ورش العمل، عن قضية التمييز على أساس الجنس والعِرق والقومية والدين. وعندما ذكر بعض الحضور أنهن قد نسين مجموعة بالكامل، وهم البدناء، ضحكن وقال بعضهن إنهن لا يرين أن هؤلاء العاملين يلاقون أي تمييز.

وأضاف بريتمان، الذي تقاعد الآن، إن صراحته قللت من عدد الإهانات التي كان يتعرض لها. وأضاف: “لم أكن الشخص البدين الجبان الجالس في زاوية، والذي يُرثي لحاله”. لكنه كان أحيانا مادة للسخرية. يذكر بريتمان أنه بينما كان يعمل مشرفا في مركز لمعالجة النصوص في كلية لطب الأسنان، “قال مدير آخر، مخاطبا مجموعة في أحد المصاعد، إنه من الأفضل للجميع أن يخرجوا لأن ديفيد سيدخل المصعد.” أخبر بريتمان الواقعة إلى قسم الموارد البشرية، لكنهم أبلغوه أنها ليست إساءة ليبلّغ عنها. ويُذكر أن أقصى وزن وصل له بيتمان هو 209 كيلوغراما، في حين يبلغ وزنه الآن 125 كيلوغراما.
سابقة قانونية

والحماية القانونية للعاملين البدناء محدودة بشكل عام، هذا إن وجدت، إلا إذا اعتبرت المحاكم بدانتهم إعاقة جسمانية. وتوجد في الولايات المتحدة قوانين تمنع التمييز على أساس الوزن في ولاية ميشيغان وبعض المدن الأخرى، فقد أقامت “لجنة تكافؤ فرص العمل” الأمريكية دعاوى قانونية عديدة ضد أرباب عمل، استنادا إلى القانون الفيدرالي الذي يمنع التمييز ضد الأشخاص المصابين بإعاقة جسمانية، لكن هذه الدعاوى لم تحقق سوى نجاح محدود حتى هذه اللحظة.

وتقول ريبيكا بول، مساعدة مدير “مركز رودّ لسياسات الأطعمة والبدانة” بجامعة كونيتيكت: “التحدي الذي نلاقيه مع هذا النوع من التشريعات هو أن الكثير من البدناء ليسوا معاقين بسبب وزنهم المفرط، لذا فإن القوانين المشدِّدة على الإعاقة قد لا توفر الحماية ضد جميع حالات التمييز على أساس الوزن”.

ورفضت معظم المحاكم الحجة التي تدفع باعتبار الوزن نوع من الإعاقة. وفي أوائل هذا العام، قضت محكمة استئناف فيدرالية في الولايات المتحدة بأن البدانة ليست إعاقة، وأكدت على قرار صدر من محكمة أدنى برفض دعوى الرجل بوجود تمييز ضده من قبل “بي.إن.إس.إف ريلواي” للسكك الحديدية. ولم توظف الشركة هذا الرجل كعامل ميكانيكي عندما علمت بأن مؤشر كتلة جسمه تجاوز 40، وهو رقم يتجاوز المطلوب في وظائفها المتعلقة بالسلامة.

في تلك الدعوى، قالت محكمة الاستئناف إنه يجب أن يكون سبب السمنة المفرطة حالة أو اضطراب فسيولوجي لكي تُعتبر اعتلالا بدنيا بموجب قانون الإعاقة. لكن “لجنة تكافؤ فرص العمل” حصلت على تسوية مالية قدرها 125 ألف دولار أمريكي في عام 2012، في دعوى ضد منشأة لعلاج المخدرات فصلت إحدى العاملات فيها بزعم سمنتها المفرطة. وقضت المحكمة الفيدرالية في هذه الدعوى بأن البدانة الحادة قد تُعتبر إعاقة سواء كانت نتيجة لمرض فسيولوجي أم لا.

بعض أصحاب الأجسام الضخمة يتمتعون بلياقة جيدة جدا، وهناك أشخاص يقعون ضمن فئة البدناء، ولكنهم يشاركون في ماراثونات للركض

ويقول كريستوفر كوتزينسكي، مساعد المستشار القانوني لدى “لجنة تكافؤ فرص العمل”: “إذا أصدرت محكمة حكما باعتبار السمنة المَرَضية اعتلالا صحيا، يتعين على صاحب العمل إثبات أن الشخص الذي رفض توظيفه غير قادر على أداء الوظيفة، أو أنه بدانته تشكل خطرا”.

كما أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكما يقضي بحماية العاملين البدناء إذا كانوا معاقين فقط بسبب وزنهم. وجاء الحكم هذا في قضية لمواطن دانماركي يعمل في رعاية الأطفال، وأقاله مجلس البلدية المحلي من وظيفته التي شغلها لأكثر من 14 عاما. وبعد صدور قرار المحكمة الأوروبية، لم تجد محكمة مدينة “كولدنغ” أي دليل يؤكد عجزه عن أداء مهام عمله، وأصدرت حكمها ضده. ودخلت الدعوى حاليا مرحلة الاستئناف، وتنظرها المحكمة العليا في الدنمارك.

وقال جاكوب ساند، محامي المدعي في القضية: “يمكنه القيام بعمله بشكل مُرضٍ، لكن بدانته تعني الحدّ من أدائه لمهام عمله. على سبيل المثال، يعاني من صعوبة النهوض والجلوس على الأرض ليلعب مع الأطفال، ولم يكن قادرا على الركض أو المشي بسرعة تواكب سرعة الأطفال”.

ولأن السمنة المفرطة يمكنها أن تلحق أضرارا أشد على المرأة من الرجل في أماكن العمل، فإن البروفيسورة شينال، الأستاذة في فاندربيلت بولاية كاليفورنيا الأمريكية، تعتقد أن الحكومة قد ترفع دعاوى قضائية ضد عدد من أرباب العمل لانتهاكهم القانون الذي يمنع التمييز على أساس الجنس. وفي الواقع، نجحت “لجنة تكافؤ فرص العمل” في مقاضاة شركات طيران أمريكية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بسبب التمييز الجنسي لأنها كانت تطلب من المضيفات أن يحتفظن بأوزان معينة.
القدرة على تحمل التعليقات

طوّر بعض الناس وسائل للتأقلم عندما يواجهون تمييزا على أساس البدانة، أو تعليقات ساخرة عن السمنة المفرطة في أماكن العمل. طُردت فاليندا رويال في أحد الأيام من العمل لدى عيادة لطب الأسنان لأن طبيب جديد في العيادة “لم يكن يستسيغ” حجمها وكونها تعمل مع مرضى. وتقدمت بعد ذلك بدعوى ضد العيادة، لكن العيادة نجحت في تسوية النزاع وتعويضها بمبلغ ألف دولار أمريكي.

وتذكر رويال ما حدث وتقول: “عبر سنواتٍ عديدة، كان الناس أحيانا يطلقون تعليقات تفترض أنني لست ذكية مثل الآخرين بسبب وزني الزائد. لكنني تعلمت قبل سنوات ألا أدع الإساءات، أو التمييز الموجه ضدي بسبب الوزن ينال مني ويسبب لي معاناة نفسية. عليك أن تفهم أمورا في الحياة كما هي؛ عليك ألا تدع الآخرين يجعلونك تشعر بمشاعر سلبية تجاه نفسك.”

تلقّت رويال مع مرور الوقت دعما مهما من عائلتها، واكتسبت ثقة قوية بالذات. وتقول: “يمكنك أيضا أن تُعلم الآخرين كيفية التعامل معك وأن يحترموك عندما تريد منهم ذلك”. وتعمل رويال الآن مستشارة نفسية، وتعيش في مدينة غايثرسبيرغ بولاية ميريلاند الأمريكية، ويبلغ طولها خمسة أقدام وتزن 250 رطلا.

وتضيف: “على سبيل المثال، حينما أواجه معاملة غير لائقة من شخص ما، كنت أوجّه له أسئلة مباشرة مثل، “أيوجد ما يزعجك؟’. والنتيجة كانت أن هذا الشخص في أكثر الأوقات يتوقف عن السخرية مني والتعامل معي بهذا الأسلوب”.

BBC