الدقير.. رفع قدسية الدولة
*كان يوم أمس الأول هو يوم الأشقاء بامتياز، واعتدت في مثل هذه المناسبات أن أتسوق في أرصفة المشاهد الصغيرة التي تسبق عملية رفع الستار لمشاهدة الفيلم الكبير.
*كيف يرتب الاتحاديون مؤتمراتهم وأفكارهم، نحن الذين ترعرعنا في مدرسة أحادية الأفكار، ها نحن نكتشف تدريجياً مع حالة هبوط طائرة أفكارنا على مدرج (الوثيقة الوطنية)، بأنه على الأقل أن أبناء الشريف حسين الهندي وأشقاء زين العابدين يمتلكون بعض كبرياء وعبقرية أدب وحضر وطني طاغي.
*أخذنا الشقيق محمد بأدب قبيل اللقاء الكبير لمصافحة الدكتور جلال يوسف الدقير الذي كأنه يعرفك وحدك دون الآخرين، وبرغم ارتباك المرحلة وقلقها، إلا أن الرجل كالعادة يحتفظ بكامل هدوئه وأريحيته التي تفتأ تهزم كل الهواجس والظنون.
*كسبت في هذه الجولة قارئاً بدرجة الوزير حسن هلال اكتشفت أنه قارئ جيد للملاذات، وإشراقة وأحمد بلال وآخرين من نجوم الأشقاء الذين سطعوا في سماء هذه الظهيرة.
*بدأ الدقير كرجل منابر بامتياز متدفق العبارات جزل المفردات أبديت ذلك لجليس الأخ الأستاذ المسلمي الكباشي مدير مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم، فقال الكباشي إن الاتحاديين عبر تاريخهم تميزوا بعبقرية وأدب الخطاب.. زروق زين العابدين وآخرين، غير أن هناك ميزة أخرى تكمن في عم الاستخفاف بالآخرين فضلاً عن انعدام أدب (اللؤم والشتائم) التي تحفل بها خطابات الآخرين، فالآن بإمكانك أن تستعرض كل خطابات الآخرين من أقصى اليمين إلى (أقسى) اليسار تجدها تشتعل بالألفاظ التي تزيد من احترام المشهد.. (وأن النار بالعودين تزكى وأن الحرب أولها كلام).
*والذي يدهشك أن الآخرين قد احتاجوا لأكثر من عقد ونصف من الزمان ليدركوا مغازي (الوثيقة الوطنية الجمعية) التي قدمها الفقيد الشريف زين العابدين الهندي عام 1996م قال الدقير نحن أقدمنا على الإجماع لما كانت البلاد بصحيفتين فقط وحزب واحد، هكذا لم يحتج الرجل لإنفاق كثير من الشواهد وإراقة الكثير من المسوغات على أنهم يتقدموا ركب الآخرين في الشأن الوطني، كما دافع الدكتور جلال بأنهم لم يكونوا في يوم طلاب سلطة كما يزعم البعض مستشهداً بالمسافة الزمنية التي امتدت إلى سبعة أعوام بين تقديم مبادرة الهندي في 1996 إلى مشاركتهم في السلطة عام 2005م.
*ثمة ميزة أخرى تجمل مشهد لأشقاء الاتحاديين، وهو أنهم احتاجوا لأكثر من أسبوع ليرسموا ملامح رؤيتهم الوطنية هذه حتى تأتي أكثر اتقاناً، وفي المقابل هنالك أحزاب وفي ذات ليلة خطاب الرئيس قد ارتجلت مواقفها المهزوزة التي ألغت كل المؤسسات الحزبية، لما يكون الحزب رجلاً أن هو أشهر سيفه فإن آلاف السيوف تشهر دون أن يسأل أحد لماذا تشهر السيوف، وإذا صالح يتصالح كل المدى والمداد والمزاج، فعلى الأقل لهذه النسخة الاتحادية فسحة شورى واستقلالية رؤى.
*غير أن أكثر جملة معبرة لمآلات مشهدنا الوطني المأزوم، قد ألقى بها الرجل في وجه الإعلام هي قوله (بتدنى قدسية الدولة) واستسهال عمليات الخروج عليها في إشارة لعمليات التجزئة الاثنين والأنشطة المناطقية للحركات المسلحة وجرأة إشهارها السلاح في وجه الوطن.
*لم يزعم الرجل جلال الدين بأنه يدفع بوثيقة جديدة، ولكنه يفتأ ينشط المبادرات المطروحة في خطاب الرئيس التي يراها ترتكز على (أم المبادرات) في إشارة لمبادرة الفقيد الهندي، على أن يتسامى السودانيون فوق انتماءاتهم الصغيرة لأجل وطن كبير..
*سيدي الدقير.. أرجو أن لا نهتف معك يوماً (لقد أسمعت لو ناديت حياً).. فالجرح الوطني النازف أكبر وأعمق، فشكراً لك سيدي، فلقد فتحت لنا المزيد من بوابات الأمل على أن هنالك نخباً وأحزاباً لا تزال تتدثر بعباءة الوطن القومية الكبيرة.
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي