منى ابوزيد

بكل سرور ..!

«العزيمة تحرس كل الفضائل الأخرى وتدعمها» .. جون لوك ..!
بمناسبة الاستعدادات التي تجري هذه الأيام – على قدم وساق – لاستقبال مليون سائح صيني سيفدون إلى بلادنا التي اعتمدتها حكومة بلادهم كدولة صالحة للسياحة، أبشركم بخبر قرأته قبل سنوات مفاده أن السلطات الصينية قد حذَّرت مواطنيها الذين يذهبون للسياحة في بلاد الناس من البَصْق أثناء سيرهم في الشوارع في محاولة صارمة لتحسين صورة الشخصية الصينية في الخارج ..!
والحقيقة أنني قد – توقفت منذ عهد ليس بقريب – عن الشعور بالدهشة إزاء كل ما يقوله أو يفعله أي مواطن صيني بدءاً بالساسة وصناع القرار .. ومروراً بالكاتبة (يونغ تشانغ) ألهبت روحي روايتها الهائلة (بجعات بريَّة) بذات القدر الذي صفعتْ به رصانَتي فبتُّ أثرثر عنها لكل من حولي .. وانتهاءً بالسائح الصيني الذي تتوعده الحكومة بالويل والثبور إن هو عاود اقتراف جريمة البَصْق في شوارع (الناس) مجدداً ..!

ليس لأنهم قد فقدوا بريقهم وتوهجهم في هذا الصدد – لا سمح الله – أعنى مقدرتهم الفذة على إدهاش الآخر المغاير أينما وكيفما كان – فهم لا يفقدونها أبداً تحت أي ظرف، إنما العيب في شهيتي وقابليتي للاندهاش التي أفقدتني إياها رواية (يونغ تشانغ ) التوثيقيّة الملحميّة الضخمة التي أمسكت بتلابيبي على نحو لافت فظللت أتأرجح في قراءتها بين الشراهة في التهام بعض فصولها حيناً وتذوق البعض الآخر ومضغه بهدوء وتكلُّف أحياناً..!
أما لماذا أفقدتني تلك الرواية عنصر الدهشة إزاء كل فعل أو قول صيني فلأن يونغ تشانغ قد أبدعت في توثيق دراما واقعية لحياة نساء ثلاث – هُنَّ جدّتها وأمُّها وهيَ نفسُها – منذ عصر أسياد الحرب مروراً بعصر الاحتلالين الياباني والروسي إلى حين اندلاع الحرب الأهلية بين الكومنتانغ والشيوعيين ومجيء الثورة الثقافية والحكم الشيوعي في ظل عهد (ماو تسي) بكل مراحله وانعطافاته السياسية النَّزقة – التي كان أبرزها إدارة ظهره للروس ومولد الشيوعية الصفراء – وانتهاءً بموته ..!

يونغ تشانغ – التي تعرض أبواها للقهر والنفي إلى معسكرات العمل البعيدة فجنَّ والدها قبل موته وتم نفيها إلى أطراف جبال الهملايا قبل أن تبلغ العشرين – سطرت هذه الملحمة ونشرتها بعد خروجها من الصين في عام 1978م في كتاب ملئ بالغرائب والعجائب والفظائع التي أرهقتني محاولات ابتلاعها ..!
كيف يمكن للمآسي الإنسانية أن تمتد عبر جيلين فأكثر في عائلة واحدة بكل هذا الزخم المؤثر ؟! .. كيف يمكن لشعب واحد – بل جيل واحد – أن يحتمل كل هذه التقلبات العنيفة والهزات الساحقة دون أن يفقد جلده ؟! .. كيف يمكن لشعب أن يكون بهذه القوة وأن يمتلك مثل هذه الإرادة الفولاذية التي جعلته يصهر الفولاذ نفسه يدوياً وبطريقة بدائية لكي يصنع دولة قوية ..؟!
إن الشعب الذي يستطيع أن يحتمل كل هذه المآسي وتلك الفظائع دون أن يفقد جَلَده، يستطيع ببساطة – وبكل سرور – أن يكف عن البَصْق في شوارع الناس من أجل تمثيل بلاده بشكل لائق ..!

هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة

تعليق واحد

  1. >> الذكاء يحول القبح جمالا … في حين لا يستطع الجمال اصلاح الجهل<< .. سقراط !! !!

    حكاوي صينين ….
    يحكي أنه :

    عند بناء قاعة الصداقة بواسطة الصينيين كانوا يسابقون الزمن لاكمال بنائها قبل حلول موعد انعقاد القمة الأفريقية، حينها،… لذا كانوا يعملون لثلاث ورديات .. وكان قد قاموا بتشييد سكن مؤقت للعاملين بموقع العمل … فكان نصيب كل 3 أشخاص سريرين فقط .. لأن الثالث يكون في العمل…. (نحن كنا ح نعمل حساب أوضة للضيوف !!)

    عند تشييدهم لطريق مدني القضارف … استعانوا ببعض العمال السودانيين (طلب) … و في أول يوم عمل .. قام العمال بتناول فطورهم (فول مظبط) و كل واحد أخد سفة و رقدوا تحت أحد الأشجار الظليلة .. في انتظار انقضاء ساعة الفطور …. جاء المهندس الصيني شاف المنظر … قام استدعى الاسعاف …. افتكرهم اتسممموا (ههههههه) !!